قصة اجتماعية : سقطت قربك فالتقطني
في إستقبال عند إحد الخيام تعاطيت الشاي مع الرفاق بحضور آب العائلة الهرم الذي لم يبخل علينا بقصصه في الحرب حتى سرد علينا تفاصيل المعركة التي أسر فيها هو و مجموعته بعد أن نفذت الذخيرة لم يستطع التعمق كثيرا في أطوار التعذيب الذي تلقاه في موريتانيا فأصابعه الثلاثة المقطوعة تحدثت عوضا عنه و لشدة تعبي في ذلك الحين كنت قد إستلقيت و اطبقت جفوني مستسلما للنوم ولكنني إستمريت في الإنصات حتى وصل بهم الحديث الى معركة نواكشوط و منها إلى شخص الشهيد الولي ذكر إسمه فقط كان بمثابة زر إطلاق مكوك مخيلتي الذي لطالما كان وسيلة سفري التي أقطع بها المسافات و الأزمنة دون أن اتخطى عتبة الخيمة..
يبدو أن الرحلة هذه المرة لم تقتصر على زمان أو مكان واحد فقد أصبحت أنتقل بين الأماكن و الأزمنة فأنا الآن بمثابة ظل الولي.. كم أنا محظوظ سأرافق الولي أينما حل و إرتحل..
الآن يبدو أننا نبحث عن إسم الولي في لوائح المعدلات بالجامعة... يا إلهي الولي تحصل على أعلى درجة بالجامعة المغربية كلها بينما أنا أتمنى فقط لو أنجح بالامتحانات الاستدراكية..صاحب الظل إكتفى بالحمد لله و مضينا..
نحن الآن في إحدى المنازل رفقة شباب بمثل عمر الولي أو حتى يكبروه بسنوات لكن صاحبي هو سيد الإجتماع فهو من دعى إليه هؤلاء الشباب الصحراويين الذين يبدون لي يمثلون النخبة.. تمخض عن الإجتماع تأسيس حركة تحرير صغيرة سماها الولي آنذاك الحركة الجنينية....
تمهل يا صاحبي أنا لا أريد خوض غمار الكفاح فأنا لست من هذا العالم لأدفن فيه لكن صاحبنا لم يعرني إهتماما فكثرت تحركاتنا و إجتمعاتنا حتى جاء يوم كان الإجتماع فيه كبيرا جدا يبدو كمؤتمر شعبي مهلا إنه المؤتمر التأسيسي للجبهة.. يا إلهي الم نكن بالأمس فقط ندرس بإحدى الجامعات المغربية ها نحن اليوم نقوم بتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب ..تبا يمكن أن استنتج أن العمل لم يبدأ سوى الآن يعني أنه ينتظرني الكثير من التنقل و الإجتماعات إلى الآن أنا موافق ولكن ما إن قال الولي وهو يتلو مبادئ الجبهة "العنف الثوري " حتى بدأت ارتجف أتمنى أن يكون يمزح ما دخلي أنا في العنف أو السلاح..مع كل هذا التنقل و الإجتماعات الطويلة لم ينقصنا سوى حمل السلاح..إرحم نفسك يا صاحبي أعطي لنفسك بعض الراحة هل الأمر يستحق كل هذا..وكأنه سمعني قال لأحدهم "إذا أردت حقك يجب أن تسخى بدماءك " كان ذلك بمثابة الجواب على تذمري. .
بعد عديد المعارك التي خضتها رفقة صاحبي و الحمد لله لم يكن يسمع صراخي و لا يرى ارتعاشي عندما نتشابك مع القوات الإسبانية مع أن كل معركة كانت تنتهي بإنتصارنا إلا أنني في نهاية المعركة كنت أقف مندهشا من صاحبي فالبرغم من أنه الزعيم هنا حسب استنتاجي إلا أنه أحمق كان دائما يسوقني لحتفي حيث كنا في مقدمة الصفوف دائما .. إذا كانت حياتك لا تهمك يا هذا فأنا لدي حياة تنتظرني لأعيشها في الزمان الذي أتيت منه..ولكن هيهات يستمع إلي صاحبي..
يبدو أن صاحبي تمكن من إخراج الإسبان من الأرض..و أخيرا سنرتاح يا صديقي..ماهي إلا لحظات وإذا بنا في اجتماع آخر طارئ..مالأمر ألم ننتهي من كل هذا لقد تعبت يا صاحب الظل أشفق على نفسك وعلي أرجوك..صاحبي كان مشغولا بالتخطيط لمواجهة غزو آخر كان مزدوج إنه الإحتلال المغربي من الشمال و الإجتياح الموريتاني من الجنوب ...تبا مالذي أتى بي إلى هذا الزمان الموحش فالأعداء يتكالبون على أرضنا من كل حدب و صوب...
بعد صمود جيشنا أمام المحتل المغربي و إسقاطه لعديد الطائرات الحربية و إغتنامه للكثير من العتاد خطط صاحبي لهجوم مباغت على الغازي آلاخر الشقيق موريتانيا ذهبنا بسيارات قليلة و سلاح خفيف إتجاه موريتانيا.. العملية حسب التوجس الذي يبدو على صاحبي خطيرة جدا... حقيقة لم أستوعب الخطة الدقيقة و المحكمة التي رسمها صاحبي لتنفيذ العملية بنجاح و بأقل الخسائر ...نال مني التعب فأخذني النوم بعيدا عن أحداث العملية و الحمد لله على نعمة النوم فلم أكن لأشارك بتلك العملية الخطيرة و التي أظنها أقرب للإنتحار .. إستيقظت من النوم على وقع صوت الرصاص فتحت عيني فلمحت صاحبي ممسكا بسلاحه ولكنه مستلقي على الأرض أتمنى أن تكون نائما فقط كما فعلت انا لتتجنب مخاطر العملية...إقتربت من صاحب الظل فلمحت الدماء على صدره الذي عبرت من خلاله رصاصتين طرحتاه أرضا...ولكن لما لم يفلت سلاحه لابد انه مزال حيا...إقتربت أكثر لأتحسس نبض صاحبي ولكن هيهات ... لا نبض... صاحبي فارق الحياة إستشهد و بيده سلاحه. ..يالك من أحمق تذهب إلى الموت و أنت الزعيم لما حملت على عاتقك تنفيذ العملية .. هانت قد مت. .هانت قد سخيت بدماءك أين هو حقك ؟
لأول مرة خاطبني صاحبي فأحسست بصوته داخل رأسي يقول حقي هو حق شعبي في الحرية و أنا لست الوحيد الذي سخى بدماءه فهناك شهداء قبلي قدموا دماءهم فداءا للوطن و مازالت قوافل كثيرة من الشهداء ستقضي من بعدي وكل هذه الدماء يوما ما سيأخذ بها شعبي حقه المتمثل في الحرية و الإنعتاق و العيش في وطن مستقل مع أنه سيمل من الإنتظار فمسيرة الحرية طويلة جدا فظهر طيفه يربت على كتفي ويقول حتى أنت يا ظلي الجبان قد لا تشهد نهايتها وتلاشى من أمامي...
أعادني إلى الخيمة صوت مضيفنا الهرم وهو يقول إلى الطعام يا فتى فرفاقك يتنظروك... بعد أن إستوعبت الزمن و المكان تذكرت أن رفاقي شرهين للغاية فأسرعت إلى المائدة......
مشاركة بإسم:
العبد ابراهيم احمد
جميل
ردحذف