> قصة اجتماعية :جدي وحيد - قصص من واقع المخيم

إعلان اعلى المقالة

إعلن هنــــا

السبت، 4 يناير 2020

قصة اجتماعية :جدي وحيد


قصة اجتماعية :جدي وحيد

قصة اجتماعية :جدي وحيد


قصة عن تهميش والعزلة التي يعيشها الشيوخ.
يقال ان السعادة عابرة والآلام دائمة
بعد وفاة زوجتي "كلتوم"  اندثرت السعادة شئ  ف شئ،  كانت الليلة باردة من ربيع عام 1950 حين عقد قراني مع كلتوم ونظرا لترحالي وسفري المتواصل عن ارض صالحة لرعي الغنم لم أقم عرس كأعراس الصحراويين بسبعة ايام متواصلة، كانت فقط ليلة واحدة ثم سافرت كلتوم معي لوحدها، سافرت مع رجل غريب لا تعرفه ولا يعرفها ولم اتزوجها لانها ابنت عمي كثقافة المجتمع انذاك،  كانت سابع فتاة عند ابيها "الشيخ ماء العينين " ومن شروطه ان جميع بناته يرحلن مع أزواجهن إن وددن ذلك.

قد تظن ان زواجي من كلتوم مجرد مصلحة، نعم كان مصلحة بكل معنى الكلمة كنت ارغب بفتاة ترحل معي في بحثي عن الكلاء والعشب والترحال المتواصل ،فأنا الابن الوحيد عندي ابي. امي توفيت وانا في العاشرة من عمري وابي توفي قبل زواجي بعامين ، بزواجي من كلتوم اكتشفت ان الله رزقني بأحسن إمرأة في الكون، لم تكن جميلة ولا فاتنة لكنها كريمة و فگراشة ونظيفة وتفهم في المعنى والجود ، صبرت معي الجوع والعطش، صنعت مني رجل و رعت معي الغنم،  صانت عرضي وشرفي عندما كنت اذهب الى الاسواق البعيدة شمالا الى الطنطان و جنوبا الى الزويرات و شرقا الى تندوف لأشتري لها الصوف والحلي والشاي... فكنت اتركها وحيدة مع بناتي الاربعة وأولادي الاثنين

واليوم بعد مضي أربعين سنة على زواجنا رحلت كلتوم وتركتني وحيدا بين أبنائي،
تزوجوا بناتي وانجبوا البنين والبنات و لم اسمح لهم بالرحيل عنا بل لم تسمح لهم كلتوم بالرحيل عنها كانت تحرص على لم شمل العائلة، كانت تعتبر ان ابيها ارتكب خطأ كبير بالسماح برحيل بناته عنه و قضى نهاية حياته وحيدا في البادية حتى نهاية حياته في واد "تيرنيت" ولم يُعلم بوفاته الا بعد يومين بعد ذلك، فحرصت كلتوم ان لا ترتكب نفس الخطأ

اليوم هي الذكرى العاشرة لوفاة كلتوم،   ماتت كلتوم التي كانت هي سبب وركيزة الخيمة وسبب اجتماع النساء  على جلسة الشاي،   الخيمة بوجودها عبارة عن حفلة ،الجميع يلعب ويضحك و الاطفال يضحكون و يلعبون ،  وبناتنا كانوا من حولنا "مريم "الكبيرة تصنع الشاي و "فاطمتو" تطهو الطعام لنا و "سليمة" تنظف ملابسنا و "غلوهة" تنظف البيت والخيمة في شكل دوري متناقم وجميل.
كنت انظر الى السعادة تمشي بيننا لم نكن من الاثرياء فبعد الحرب والهروب الى تندوف لم يبقى عندنا مال ولا غنم ولا ابل، لكني كنت اشاهد السعادة تسري في العائلة، حنكة "كلتوم" وصبرها وصرامتها ومواقفها واحترامها لنفسها ولجيرانها صنع لها عائلة متكاملة وسعيدة،  كانت كلتوم تُعرف بدرايتها بالشعر الحساني والفكاهة والقصص القديمة التي لا يمل احد من الاستماع اليها كذلك كانت تتقن "اتحاجي" والالغاز الشعبية.
انا اليوم اعيش في وحدة وعزلة رهيبة،  بناتي تعاركو فوق رأسي والاسباب مادية ومالية،  اكبر المشاكل كانت بين "مريم " و" غلوهة"  بسبب ان "محمد" ابن" مريم "ضرب "سعادو" ابنت "غلوهة"  ودار حوار ساخن تطور الى ضرب باالايادي ثم خصومة وهجران ابدي
عندما تزوجت "خدم" ابنت "فاطمة" قامت بالبناء قرب خالتها "سليمة" فإعترضت "سليمة" بقوة لانها تريد المكان لابنتها "غلانة" ،  فتخاصموا وتهاجرو
وتخاصمت "مريم" مع "سليمة" بسبب بنات "سليمة" لا يحبون بنات "مريم" و تهاجرو وختصموا
امَّ ابنائي "مصطفى" و "سعيد" فلم اكن اراهم إلا نادرا،  "سعيد" تزوج ورحل مع زوجته الى إسبانيا وهو لان يقيم في إقليم البسك مع زوجته
اما "مصطفى" فتزوج في ولاية اخرى ويزورني كل شهر او شهرين
لم تسلم الخصومة بين النساء فوصلت الى الرجال،  "ف سعيد"  اتهموه بالبخل لانه لا يرسل اليورهات من الخارج فتخاصموا معه وهاجروه ًامَّ "مصطفى"  فتخاصم مع اخواته لان زوجته "سوكينة" لم تتفاهم مع اخواته  فتخاصمت معهم وهجرتنا هي وزوجها....

كنت المتضرر الوحيد من هذه المشاكل، اعيش وسط الخيمة وحيد في عزلة تامة،  تعامل بناتي معي بمبدأ الإتكال انشغلوا بناتي وحفيداتي عني بأمورهم الخاصة، لم اعد اراهم إلا نادراً رغم انهم محيطون بي من كل اتجاه لكن الحقد والبغض الذي يسكن نفوسهم منعهم من زيارتي، لا يريدون ان يجتمعوا في مكان واحد حتى وإن كانت خيمة ابيهم .
قبل خمسة سنوات كنت استطيع ان اصنع الشاي لنفسي،  كذلك كنت اصنع الطعام لنفسي، احيانا اطبخ الارز او العدس،  واحيانا امل من الاكل واصنع "ازميتا" او "البلغمان" ،  وفي معظم الاوقات اصوم عن الاكل بيا الرزاحة!! "
اليوم ضعف بصري و لم أعد أسمع جيدا، ومصاب بأمراض خطيرة كالسكر، و التهاب المفاصل و القلب و الآم حادة في الرأس بالسبب إدماني على شرب الشاي ولا اجد من يصنعه لي رغم قرب بناتي مني .
تجاوزت سن السبعين ولم اعد اقدر على المشي، كنت في السابق املك شاة واحدة اذهب كل صباح اليها، كنت اسمع العديد من تعليقات (يكشحو شيباني معز عليه الرزق ). (لا راهو يجر كريعاتو شور ذي شويهة يلي يعطيه الفقر )
(نعرف عن ذا شيباني شايف الويل. ذا گدو مزال يربي لغنم ) ....كم كانو حمقى بوصفهم لي بتلك الاوصاف انا لا ابحث عن المال او الثروة بربكم هل شاة واحدة ستجعل من رجل غني!!  كنت فقط ابحث عن وسيلة تخرجني من عزلتي ووحدتي،  اتنفس بعض الهواء اتمشى بين الخيام اراقب حركات الناس..
امَّ اليوم فأجلس وحيدا في خيمتي عاجز عن الحركة لم اعد استطيع صنع الشاي، اذهب الى "باش الماء" لأسقي قارورة 5 لتر لإشرب منها بقية النهار،  اقوم بتنظيف المرحاض بنفسي.
لا املك اصدقاء يزورونني، فجميعم ماتو إما في الحرب او في مرحلة اللوجوء ، انا الوحيد الذي، بقى صامدا بعدهم،  انتظر الموت كل يوم
كل يوم جمعة اتذكر اصدقائي و اتذكر ايامي معهم وابكي وحيدا، كل يوم اتخيل ان ملك الموت سيزورني،  فأرسم شكلا له، هل هو طويل ام قصير هل هو ضخم ام نحيف...اتخيل ان له قرون طويلة واجنحة ضخمة..
في عزلتي احيانا يخيل الي ان اشخاص يدخلون ويخرجون علي لا اعرفهم،  ومنهم من يسألوني عن حالي، كونت صداقة معهم، هم عالم خفي لا يستطيع احد ان يراهم غيري،  يأنسونني في وحدتي، لكنهم سرعان مايرحلون اذا دخل احد من عائلتي علي ...

النفاق الاجتماعي هو مايظهر على بناتي حين امرض، فتراهم يجتمعون عندي و يصنعون الشاي،  ويشترون اللحم، ويقومون بإصطناع العاطفة امامي، يتوددون إلي ،  ويقومون بالعناية بي من اجل ان تراهم الناس،  يهتمون بي ويقومون بالنظافة و غسل الملابس ارضاءً للضيوف.
ابكي واتذكر حبي لهم، كم كنت اشقى من اجلهم، اجوع ليشبعو،  اتحمل الصعاب من اجل راحتهم،  عاشو في عز وقناعة و عرفو بلاخلاق الحميدة بين الناس وزوجتهم من احسن الرجال واليوم فضلو ابنائهم وازواجهم وتركوني وحيد،  يضحكون و يلعبون ويصنعون الشاي في خيامهم وتركوني مع المذياع و الاذاعة الوطنية التي اصبحت رفيقتي الوحيدة في زمن النكران .
اصبحت اشعر بالتهميش، لم يعد لي قيمة في العائلة ،تزوجو حفيداتي دون علمي، يصنعون الحفلات والاعراس بغيابي. ....اظن ان من حقهم ان يصنعو ذلك فأنا اصبحت رجل صفر لا اعطي شئ،  شيخ كبير ذبل جسمه وإتهموني بالدگيگ الرأس والجنون والخرف.
في اخر الايام اصبحو يصنعون عندي الشاي،  كنوع من رد الجميل لشيخ لم يبقى من عمره الا القليل.  في اجتماع العائلة لا يتكلمون فأحقاد الماضي مازالت تسري في عروق الاخوات،  تجدهم فقط مع الهاتف عاكفون
معظم الوقت انام وحدي، اتكلم مع صديقي الخفي اشكي إليه همومي والآمي، هو الوحيد الذي يسمعني،  انا اعلم ان صديقي الخفي هو كائن وهمي رسمته في مخيلتي لاشكي عليه.

اليوم وبعد ما أيقنت ان شبح الموت سيزورني، احببت ان اجتمع معكم يابناتي، اعتبروها نصيحة او وصية او تجربة عمر شيخ يأس من الدنيا، شيخ فرط فيه اهله واحبابه، شيخ عاش معزول بين بناته واحفاده، شيخ مات الف ميتة
.سأموت قريبا جدا واريد ان انصحكم يابناتي

ماهو فالك ياداه. 😭

الموت قادم لامحالة، اسمعو، تصالحو يابناتي، انسو الماضي انتن اخوات قبل كل الشئ، لاتجعلو الشيطان يلعب بعقولكن، تفكرو في عواقب هجرانكم من تشتت وتفرق و ضياع العائلة، حافظو على لم شملكم كما كانت تحلم والدتكم الله يرحمها .

‏كبار السن يابناتي هو عالم البركة الخفية
‏انا يابناتي أحوج من الاطفال إلى التدليل، والاسترضاء، والعاطفة، والحنان، والرفق ، والرحمة.   فقدت الكثير من حيوية الشباب وعافية الجسد ورونق الشكل فلا تهملونني
‏ فقدت والدي وفقدت كثيرا من رفاقي ، قلبي اليوم جريح ونفسي مطوية على الكثير من الأحزان والاوهام فلا تنزعجو من تقلب مزاجي ‏

‏انا اعلم اني لم اعد  محور البيت وبؤرة العائلة كما كانت من قبل،، اصبحت اشعر بذل والمهانة والتهميش وهذا سبب حزني وألآمي
‏:
‏ الذكريات سيطرت علي فانا قد أرقد ولا انام ، وقد أكل ولا اهضم  ، وقد اضحك ولا افرح  ، ومعظم الوقت ارى في وجههكم امكم كلتوم فتنزل دمعتي تحت بسمتي . ‏
‏:
‏ انتن لا تعلمن انه يؤلمني بُعدُكن عني، وانصرافُكن من جواري ، واشتغالُكن بهواتفكن في حضرتي . ‏و اهمالكن لحقي وانا ادعو الله في كل صلاة بهدايتكن واصلاح ذات بينكم
‏؛
‏ اانا يابناتي اعيش وحيد معزول عنكن احتاج من يستمع لحديثي ، ويأنس لكلامي ، وصدقوني لا يوجد منظر اجمل من اجودكن معي بجواري. ‏
‏:

‏:
‏ لا تطنو اني في هذا السن افكر في الطعام والشراب وملبسٍ ودواء ،،، بل أهم من ذلك بكثير احتاج العناية الحنان. احتاجكم بجواري تضحكون معي .احتاج إلى بسمةٍ في وجوههكن من اجلي ، وكلمةٍ جميلة تطرق آذاني ، ويداً حانية تمتد الي ، وعقلاً لا يضيق برؤيتي. ‏
‏:
‏اريد ان اعيش أياما سعيدة، وليالي مشرقة، واختم كتاب حياتي بالصلاة
املأن صفحاتكن  بالبر والسعادة حتى إذا مت وانتقلت الى جوار ربي لا تتحسرن وتصبحن من النادمين ‏
‏:
‏هم كبار السن الآن ، وسيذهبون عما قريب الى ربهم ،ستكون أنت هذا الكبيرَ المسنَّ؛ فانظر ما أنت صانع وما أنت زارع ! ‏
:
‏ كن العِوضَ عما فقدوا، وكن الربيعَ في خريف عمرهم ،، وكن العُكَّازَ فيما تبقى.

------النهاية -----

تحياتي
Hamuodi salec

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان

إعلان أسفل المقالة

إعلان متجاوب هنا

تواصل معنا

تغروين

من أنا

author موقع قصص من واقع المخيم هو منبر لمشاركة القصص من واقع المخيم باللغة العربية و اللهجة الحسانية.
أعرف المزيد ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جميع قصص من واقع المخيم