قصة اجتماعية : منذ ذلك اليوم تغير كل شي ....
تغيرت احوالنا . كنت حينها صغير جدا. كانت كل متطلباتي تقبل بشكل سريع, لقد كان أبي يوفر لي كل ما احبه, ما احتاجه بسرعة كذلك اخواتي . الأكبر مني سنا,لم أكن حينها افهم كثيرا . لكني أعلم معنى الموت, لا أدري ربما معرفتي به شيء فطري كنت يومها على علم أنني لن نرى ابي مرة أخرى. ...
كنت حزينا ،كأنني اول مرة أشعر بالحزن !!
كنت أغضب وابكي أحيانا وكان ابي يطيب خاطري ،ويحقق لي مرادي ،لكن هذا الشعور لم أشعر به قبل اليوم شعور جديد على حياتي .
انظر يمينا و شمالا ... اختي مريم تبكي بكاء شديد !!!! . كذلك الغالية ! كما اتت عمتي من بيتها وهي في حالة يرثى لها تبكي بكآ شديد وحزين يقطع القلب ،والناس يدخلون ويخرجون لأجل العزاء ،أمي قد أدخلت داخل خيمتنا وجعلوا بيننا وبينها حجاب لدخولها العدة الشرعية.
كانت هذه المواقف تمر على عيني وانا لا أصدق، في كل مرة اسمع بعض الحاضرين ، يبوح لصاحبه أن سبب وفاة والدي كان حادثا مروريا فبينما خرج والدي من سيارته ليشتري بعض الأغراض ،إذ أتت سيارة مسرعة وحدث ما حدث و انتقل والدي إلى دار جزاه .
بعد تلك الحادثة وبعد انتهاء العدة الشرعية لأمي حملت المسكينة دور الأم و الأب مع الهم و الغم الذي أصبحت تعيشه من تغيرات طرأت على العائلة ،لقد كان رحمه الله تعالى مصدر الأمن و الأمان كان وجوده يشعر الجميع بالدف و الحنين.
لحظة كانت تراه يلعب معي ، تارةً مع اختي الأكبر مني الغالية و الكبرى مريم ، بل حتى حين تغير الوضع المادي للعائلة و أصبحنا للفقر أقرب من الغنى ،حتى إنه ليأتي علينا بعض الليالي ليصيب امي الجبن والخوف بسبب قلة الرجال في البيت خوفا من أهل الإجرام ليلا ... فقط الأرامل يعرفون حقيقة ذلك الشعور و يفهمون ذلك فهما تام!
في حين كان ذلك الخوف معدوما حين كان أبي على قيد الحياة
. كل هذا الهم قد بدأ واضح جلياً ،لقد تغيرت حياتنا تغير جذري ملحوظ .أغلق محل ابي الكبير ، و توافد علينا الانتهازين يحاولون اغتنام فرصة ضعفنا وقلة حيلتنا وعدم وجود أحد منا قادر على القيام بالعمل فيه كما فعل والدي .
، الأمر الذي فرض على والدتي بيعه بثمن ليس ثمنه الأصلي و المستحق ، فلم يكن محل ابي صغيرا. ولكن الظروف تفرض ما لا نريده أحيانا .......!
بالنسبة لأخوت ابي (اعمامي) لم يقوموا بالنفقة علينا بشكل جيد و منتظم ، وان حصل فإنه نادرا .... وبشكل لا يزن مثقال ذرة من نفقة والدنا علينا .
كبرت على هذه الحالة فقر شديد ، امي تصارع متطلبات فتاتين يتيمتين معي ، وانتم تعلمون ما معنى ذلك . !
والحمد لله رب العالمين على كل حال و أحوال.
كبرت قليلا درست في الجزائر حالي حال أبناء هذا الوطن . حتى وصلت إلى الثانوية هناك تعلمت أمور لم أكن أعلمها ولا افعلها فلقد كانت امي دايما ما تربيني على العقيدة . والعمل الصالح والأخلاق والمعاملات * )
صاحبُ رفقاء سوء جعلوا مني شخص مثلهم ومع الوقت أدمنت على الدخان .بشكل كبير و لما انتهت السنة الدراسية ورجعت إلى أهلي وقد أصبحت مدخن رسميا .......!
غضبت امي و بكت و نصحتني و ذكرتني مرات ومرات إلا أن الأمر أصبح صعب بدى لي مستحيلاً !!!! فلا يمكنني ترك تلك العادة ، أصبحت علب السجاير جزء من يومي كحال أغلب الشباب المدخنين .
تعرفت على صاحب محل لبيع السجاير ، كنت استدين منه كثيرا وكان لطيف معي في المعاملة لأنه يعلم حالي في صعوبة حصولي على المال.
أحيانا يا جماعة ينفذ علي المال، لدرجة اللجوء إلى جيب امي التي لا تمنعني من شي أريده وبالرغم من حزنها الشديد على ما أضحية فيه من تحول جذري إلى الأسفل
.
كنت غاضبا حزينا في كل وقت خاصة لما علمت جيدا أن ابي كان رجل ثريا وان موته كان سببها تهور شاب مفرط في السرعة.
أصبحت اكره اعمامي الذين لم ينتقمو لاخيهم.... اكره أولئك الشيوخ الذين تواجدوا في تلك القاعة اللعينة تحت ما *يسمى الصلح القبلي* بل اللعنة على الحي منهم قبل الميت....!
كرهت حتى قبيلتي وسط مجتمع يتنفس القبلية ..انظر إلى قبيلتي نظرة حقد دفين ولا أراها إلا وقد باعت دم ابي بثمن بخس ... لا يسمن ولا يغني من جوع .
أحيانا التقي مع احد الشيوخ الذين تواجدوا يوم بيع دم ابي و لا اسلم عليه بل و أحدثه بكل ما.يخطر في بالي واسبه بأنه مجرد بايع لدم ابي ، أعلم مدى جرمي ولكن كمدي على أبي يقتلني من الداخل ..!
كذلك كرهت الدولة و كل حكامها بسبب رضاهم بأن يذهب دم ابي تحت اسم الصلح القبلي .
دون النظر في أصل القصة و محاسبة قاتله على أفراطه في السرعة التي كلفتني فقد ابي .....
كلفتني العيش في فقر و دنس كلفتني أن أرى اخواتي في حالة الفقر ، كلفتني فقد ابتسامة امي التي لم تفارقها من يوم تزوجها ابي لقد قتلوا ابتسامتها لقد قتلوا حبها الأول و و والد أبنائها لم نرى لها سعادة حقيقة بعده ..!
لقد كانت تتذكره كل وقت ومنعت عدة رجال أتوا لخطبتها ، كانت أكبر آمالها أن تجتمع به في جنات الفردوس بإذن الله تعالى.....
يا إخوتي صراحةً وبكل اختصار، موت ابي ذبح سعادة داخل البيت ذبحا .... أسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة.
في النهاية......
يؤسفني اخباركم اصدقائي ،انني اكتب هذا لكم من داخل زنزانة في أحد سجون الحليف الأول و الأقرب الجزائر بعدما قبض علي في عملية تهريب للمخدرات وانا في مقتبل العمر بعدما طغى الفقر علي و احتياج العائلة إلى من يقوم بأمورها .
فكرت ودبرت وليتني لم أفعل أن اسلك هذا الطريق الخاطئ المظلم المحرم شرعا ويكفيه ظلام حرمته الشرعية ،صقوني الذي فرض علي أفكار الغوص في ظلام المخدرات،ليسوا رفقاء السوء ليس سوء التربة ليس الانحراف.... و إنما الفقر الفقر وثقل المسئولية.الذي كان سببه ذلك الشاب المتهور الذي قتل أبي وقتل سعادة العائلة معه ...... .!
وقد تبين لي اني أخطأت وأنها توجد طرق كثيرة لعلاج الأمر ، ليست في المخدرات وأنه بإمكانك العيش بمال الكفاية حتى الموت فلا حي باق فلا غني ولا فقير سيخلد فوق هذه الأرض .
ولكن بمجرد التفكير في أن ابي كان رجلا ثريا يقودني إلى رد أمجاده ، أريد أن أنفق على امي وعلى اخواتي ياجماعة.... كنت قد وعدت السالمة جارتي بأنني لن اتأخر عن القدوم إلى باب أهلها لخطبتها. لقد أحببنا بعضنا لدرجة كبيرة كان حبا متبادل بالرغم من وضعي الكارثي المادي و المعنوي و ثقافتها و علمها وجمالها لقد كانت فتاة استثنائية لحد كبير كنت أتعجب واسأل مالذي جعلها تصبر على شاب مثلي ،كانت تصبر على تصرفاتي على اهمالي الشخصي و الغوص في الضياع مع أصدقائي التافهين لم تجمعني معهم علاقة غير علب السجاير . كنت اغيب عن البيت أيام متتابعة تائه مع أصدقائي مرة هنا ومرة هناك ،بلا مال ولا جاه . واترك امي و اخواتي وحدهن في البيت .
لما أخبرت السالمة بأني مقبل على الزواج وخطبتها ضحكت وسخرت مني وقالت:
يا سعيد من أين لك بالمال !!!؟
قلت لها:
لا عليك سيكون زواجنا أفضل زواج على الإطلاق.
السالمة : ههه ايو إن شاء الله .
انا شخصيا كنت اريد ان يشعر المجتمع كله اني قد عدت بأمجاد ابي الراحل ، لكن اكتشفت ان ذلك لا يصلح ولا يمكن أن يصلح بالمال الحرام وادخال الخبائث على بني جلدتك ... لكنه للأسف اكتشاف متأخر.
فأنا لن أخرج من هنا إلا بعد 20 سنة . إن شاء الله وكل أبواب الدنياء أغلقت في وجهي .
لا أعلم ما حدث مع امي التي تركتها تصارع الفقر بمفردها و مريم و الغالية
لقد أخبروني بأن الزيارة قد منعت عني وعن الجماعة التي قبض عليها معي منعا باتا !
اليوم وها أنا أكتب هذه الرسالة المتواضعة لعلها تصلكم، يا جماعة ابي لم تقتله السرعة الزائدة ولا إرهاب الطرقات فحسب بل أكمل على حياة ابي كلا من شيوخ الباطل و رضى الدولة بذلك وعدم محاسبتهم للمجرم القاتل ....!
املي الان وسعادتي وبهجتي في أن بابه سبحانه لا يغلق ولن يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ولن يمنعني كبر جرمي من التوبة والرجوع إلى عفوه ورحمته .
انا الان في السجن مع أنواع المجرمين مع السارق والمغتصب والقاتل واصحاب المخدرات........ !
لم يتسنى لي ذكر اسمي في القصة غير مرة واحدة على فليس ذلك أمرا مهم كثيرا ، قصتي أكبر و أعمق من ما كتب في هذه السطور . ...
انا أريد أن أخرج نفسي من هموم دنياكم هذه و الإقبال على الله .... أقبلت على كتاب الله اريد حفظه تاما كاملا لوجه الله سبحانه وتعالى
كما طلبت من أحد الحراس الطيبين أن يشتري لي كتبا للسنة النبوية الشريفة خاصة صحيح البخاري و صحيح مسلم .... .
انا الان مقبل على طريق الله سبحانه وتعالى حتى يبلغ الأجل أجله . ثبتنا الله و إياكم وجمعنا في جنات الفردوس و
جعلنا الله من الذين سبقت له من الله سبحانه وتعالى الحسنى
والحمد لله رب العالمين
مشاركة بإسم :
علين ديدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق