رواية: 12 كتوبر، الجزء الثالث
ياسدي انت لا تفهم، انا في اسبانيا ولست في المخيم، كما اني لست دكتور ولا اعرف شئ عن الطب النفسي انا مجرد نادل في مطعم عند رجل سكير! مجرد ناااادل فهمت ! نادل يبحث عن وثيقة بلا وطن!صدقني ان أشعر بما تشعر و اعلم انك تعمل في مطعم بعقد مزور، وانك تعيش في شقة لوحدك في مكان مهجور، اعرف كل تفاصيل عنك، أنا هنا بصفتي زميل وصديق اتقدم لك بإسم الوزارة بإن ترجع وستعوضك الوزارة عن كل ما بدرى من سوء تفاهم بينكم! سنعالج القضية اعدك بذلك!
لكن انا لا اريد ان ارجع لا للمخيم ولا للوزاة! انا بلا وطن ! من اين لي بوطن ففي المخيم تتعرض لأهانة التخصص واحتقار دراستك وتهميش الذات وهنا اهانة لنفس والهوية واحتقار ولإذلال وسقوط الكرامة ،فالاهانة في كل مكان و أفضل الاهانة في بلاد الكفار على الاهانة بين المسلمين، هذا قرار نهائي!
انا لا اطلب منك ان ترجع من اجلي ولا من اجل الوزارة ولا من اجل احمد ، فكر في المرضى هنا، مراهقات في سن الزهور، ومراهقون صغار تعرضوا للمس شيطاني او لصدمات نفسية، وانت الوحيد القادر على معالجتهم، لا ترجع من اجلنا بل من اجل دوموع أمهات ذرفنها على فلذات اكبدهن وهن يشاهدن بناتهن في سن الزهور يفقدن صوابهن أمامهم، لا ترجع من اجل احد إرجع من اجلهم! لعلى الله يكتب على يديك الشفاء و تزرع ابتسامة واحدة على وجه أم او جدة كادت ان تفقد ابنتها وصدقني اموال الدنيا بكاملها لن تجلب لك سعادة ! السعاذ يا يعقوب في زرع ابتسامة على وجه شاب حزين او رؤية ابتسامة ام ضعيفة تفرح بشفاء إبنتها او دعاء من جدة ساعدتها في رؤية ابتسامة حفيدتها من جديد ! صدقني تلك هي السعادة! السعادة هي القدرة على العطاء وزرع الابتسامة في وجوه الاخرين دون مقابل!
حسنا سأفكر.....
لا يوجد وقت لتفكير .!
لماذا!؟
اعرف فيما تفكر ..!
فيما...؟
حسنا.... سيتكلف ممثل اللجبهة بتعديل وثائقك، اترك فقط نسخة من الوثائق الازمة عند مكتب اللجبهة في الاندلس وسيتكلف هو بالامر لا تقلق لقد تحدثت معه في شأنك ، وكما اننا حجزنا لك في طائرة يوم الاحد القادم، واعتبر نفسك دكتور معنا وبراتب مقبول ! وعندك كل الحرية في اختيار اوقات العمل ودوام! ولك كل الحرية في طريقة علاجك وكيفية تعامل مع المرضى!
لقد خططتـَ لكل شئ، ولم تترك لي منفذ! لكن لماذا تفعل كل هذا !؟ وانت لا تعرفني ومن الممكن ان اخيب ظنك!
انا افعل المستحيل ليس من اجلك بل من اجل علاج المرضى هذا مايمليه عليـّ ضميري وانسانيتي، وان كان في طلبي لك اذلال لنفسي لكن مصلحة المريض عندي فوق كل اعتبار حتى وان كان فيها اذلال لنفسي !
احسدك على انسانيتك ،حقيقة انت نموذج للطيب المحترم وقل نظيرك، وسأوفق فقط لانك علمتني مبدأ كان غائب عني ! وتأكدتُ ان دنيا مازال فيه الخير ....
يسعدني سماع ذلك ، نحن بإنتظارك
سأكون عندكم الاسبوع القادم بإذن الله، أشكرك لانك تحاول مساعدتي ورد الاعتبار لنفسي، بالمناسبة لم تخبرني ماأسمك
اسمي دكتور سالم!
تشرفت بمعرفتك دكتور...!
نحن بإنتظارك، لا تقلل كل شئ تحت السيطرة وسنكمل كل اجرات سفرك واتمنى لك رحلة سعيدة
اشكرك وداعاً
<في المصحة>
رجل طويل اسمر، يحمل مصحف ومسبحة طويلة ،وعصا يضرب الفتاة ضرب خفيف من كل اتجاه، ويقرأ القران ويسكب الماء على المريضة رقم 216 . ...
وماكفر سليمان ولكن الشياطين كفروا...كفروا ..كفروا. يعلمون الناس السحر....السحر السحر.....
اخرج عدو الله..... عوذ بالله من همسك ونفثك ايها الخبيث! اخرج عدو الله! اخرج والا حرقتك بالقران!
كانت الفتاة تنظر اليه وتمسك بركبتيها في خوف تام وتصرخ ....تصرخ ...وتصرخ..كانت خائفة! ومرعوبة! وبدأ صوتها يضعف من شدت البكاء وقالت بصوت متغير.... "سأحاول .... "
فغضب الراقي وضربها من عند راسها ضرب خفيف، وقال بصوت مرتفع ومخيف
انت تريد المماطلة ياعدو الله، اخرج والا قمت بحرقك بالقران الكريم!
تبكي الفتاة وتنظر الى الراقي وتقول بصوت مختلف
لكن كيف !؟
اخرج من إصبع رجلها الايسر..!
ثم تتتسارع نبضات قلب الفتاة الصغيرة وتصاب بتوتر حاد و تبدأ تلهث وتلهث بشدة وتصرخ ثم يغمى عليها!
يفتح الراقي الباب ويقول
أبشروا لقد خرج عدو الله الحمدلله !!!
الحمدلله، وماذا سنفعل مع بقية المرضى ايها الراقي!؟ يقول احمد
أنا متعب يكفي جلسة واحدة في اليوم، غدا سنعالج المريضة رقم 712 !
لك ذلك ..
لكن لا تنسى يا احمد ان تُشغِل لهم القرأن الكريم طول النهار، وان تشرب الرقية بعد كل وجبة، وان تضع مسجل به بطاقة ذاكرة في مرقدهم الخاصة بها قران و دروس ومواعظ دينية!
<بعد ساعة >
إستيقظت الفتاة المريضة رقم 216 !
أنا اموت...... أنقذوني....... أنا خائفة منهم... انهم قادمون ارجوكم ساعدوني...!
أسرع احمد يتفقد حالها، وجدها خائفة وتصرخ وأمها بجانبها تحاول ان تهدء من روعها، لكنها لم تستطع السيطرة عليها!
مابها ياسيدتي !؟احمد يسأل ام المريضة
لا اعلم لقد نامت بعد الرقية، وفجأة استيقظت وهي تصرخ وكأنها تشاهد اشباح داخل الغرفة، هي تنظر الى نفس الركن كأن احد يحاول قتلها! هي خائفة من شئ مجهول! هي تعيش في عالم غير عالمنا وتشاهد اشخاص غير مرئين وتخاف من اشباح يملكون عيون مخيفة كما تزعم!
هل تناولت أدويتها ، ادوية النوم !؟
لقد تناولت كميات كبيرة ومن كثرة تناول المهدئات بدأ لسانها ثقيل وصوتها يتغير! وزاد حجمها! ارجوك افعل شئ من اجلها!
لا املك سوى ان اتصل بالراقي الشرعي!؟ لعلها يرجع!
ارجوك لا.... لا تفعل.. أستحلفك بالله لا تتصل به.. انا خائفة، انا خائفة يأمي.... واخاف من شكله ومن صوته، صوته مخيف يامي .. انه يضربني.. ارجوك ياامي لا تتصلوا به..... أنا خائفة!
بل اتصل به يا احمد حالا وقل له ان يأتي بسرعة .. هذا ليس صوت ابنتي هذا صوت الجن الذي بداخلها انه يخاف من القران الكريم...!!!!
حسنا... سأفعل
أرجوك لا تفعل.... أنا خائفة منه! أرجوك ياإمي!
السلام عليك شيخ محمود!
وعليك السلام احمد. مابك هل من خطب ما في المصحة؟
المريضة التي قمت بعلاجها اليوم وقلت ان الجن خرج منها !
نعم مابها!؟
لقد عاودت لها نفس الاعراض، وهي تصرخ و تتخيل ان اشباح تتطاردها وتريد قتلها!
أظن به مس جماعي!
ماذا تقصد يا شيخ!؟
اظن بها اكثر من جن في جسدها، وكلما قمنا بإخراج واحد يظهر اخر جديد!
والحل ياشبخ؟
الحل ان واصل الرقية حتى نخرجهم اجمعين!
الن تأتي اليوم!؟
لا ...انا مشغول مع بعض "المجانين" ، اسف اقصد بعض المرضى الممسوسين!
وماذا سنفعل مع المريضة!
حاصرها بالقران ،شغل القران الكريم في كل مكان ورفع الصوت، وشغل لها شريط الرقية الشرعية ايضا!
حسناً.... شكراً..... ثم قطع الاتصال!
ماذا قال لك!؟
قال ان نشعل لها القران الكريم ونرفع الصوت الى اعلى درجة!
بعد ان اشعل احمد مسجل القران بدأت المريضة تصرخ
ارجوكم لا تفعلوا..... انا لا احب ان استمع لشئ... اتركوني وشأني!
قالت الام في حزن
بل ضع لها القران ف الجن لا يحب الاستماع له!
ارجوكم لا..... ثم تضع يداها على أذنيها وتصرخ اوقف هذا صوت المزعج.... اوقف هذا صوت ارجوك!
استمعي يا إبنتي للقران لعل هذا اللعين يخرج منك! استغفري ربك على ذنوبك ومعاصيك وتوبي الى ربك!
<في المساء>
رجل في الخمسين من عمره يركض داخل المصحة ،ويصرخ
اين دكتور سالم؟
يخرج احمد من غرفته مفزوع مابك !؟
اين سالم!؟
انه في اجتماع في الرابوني!؟
إبنتي في خطر، ارجوك ساعدني!؟
ابنتك المريضة رقم 712 !
نعم...
مابها!؟
انها تحاول ان تقتل نفسها وهي تحمل خنجر في يدها!
صرخ احمد بكل قوة
مخطاااار ياااا المخطااااار تعالى بسرعة
ثم ظهر رجل طويل اسمر و ضخم وعريض المنكبين ! وقال
مابك ؟
هيا نسرع للمريضة، قالوا انها تحاول الانتحار!
دخل احمد والمخطار ووالد الفتاة في الغرفة، ووجدوا امها تبكي هي واختها ، ويحاولن ان يخففن عنها موجة الغضب التي تعتريها! كانت المريضة تقف في ركن تلبس ملابس بيضاء ورأس مكشوف وتقول
انظروا اليه كم هو جميل صديقي الموت، وتحمل الخنجر وتخط على يدها وترفعه الى قلبها، لاتخافوا منه هو جميل ولطيف هههه! أنا عقدت صفقة مع صديقي الموت "ان اقتل نفسي مقابل ان يتكفل هو بقتل كل عائلتي هههه هههه هههه! صفقة مربحة اليس كذلك ههههه! أمي أنت ايتها الشريرة ستموتين اولا ههههه عجوز شمطاء يكفيك من الحياة لقد عشتِ مايكفي منها ! وانت ايتها العاهرة اللعينة لماذا تنظرين الي انا اكرهك منافقة تحاولين استعطافي بهذه الدموع المزيفة! كلكم كاذبون وخونة وانا وحيدة ومعزولة ولا احد يحبوني..... هم فقط من يهتمون بي ويحاولون مساعدتي، انهم عائلة لطيفة ! هههه!
ثم تنظر الى أمها طويلا في صمت ... وتبكي وتقول انا خائفة يا امي مالذي افعله!؟ انا لا اعرف مابي!؟ ثم تنهار بالبكاء والعويل وترمي الخنجر بعيداً وتختفي بجسدها في ركن الغرفة!
يحمل احمد الخنجر، ويأمر بربط المريضة بسلسلة فهي اصبحت تشكل خطر على نفسها واهلها! ويأمر امها بأن ممنوع عليهم جلب لها اي اجهزة حادة قد تسبب في قتلها! واصبحت تأكل فقط في الاجهزة البلاستيكية!
في ممر المصحة المظلم. كانت الإضاءة منخفضة جدا ، غرف منظمة بشكل مستطيلين متقابلين، كل غرفة باللون الازرق وباب اسود عليه رقم الغرفة وهو نفسه رقم المريض الذي بداخلها ، تتقابل مع غرفة اخر، وفي نهاية الممر هناك غرفة للحارس الليلي، وفي الاتجاه المقابل هناك غرفة الممرض، وخارج المصحة هناك مطعم صغير، ومبنى احمر عبارة عن تجمع لغرف المدير والمقتصد وغرف الرقاة الشرعيين! في نهاية الممر يقف عجوز في نهاية السبعينات من عمره!
حالة ابني تزداد سوء يا أبني!؟
انت والد ذاك المراهق الصغير رقم 357 !
نعم انا والد عبداتي ... ابني اصبح في عالم اخر يا احمد!
كيف!؟
أصبح يرسم اشباح مخيفية، وفي كل ليلة يقول انه يشاهد دمية تلبس الابيض و عليها دم تقف عند النافذة تريد اختطافه! ويسمع اصوات وحركات ويتخيل ان الباب يفتح ويغلق وحده، مع العلم اني معه ولا اسمع شئ!
وهل قام الراقي الشرعي بمعالجته!
نعم... وتكلم مع الجني الذي بداخله!
وماذا قال الجني!؟
لم استطع ان انظر لأبني وهو يتألم وجلست خارجاً حتى أكمل من رقيته!
وهل قام بإستخراجه!؟
قال انه قام بإستخراج واحد منهم ، لكن ابني يزداد سوءاً ، وحين سألت الراقي عن حاله قال ان بداخله مجموعة من الجان! لانه لايصلي ويستمع للاغاني ولايذكر الله !
وماذا يفعل الان!؟
لاشئ يظل صامت طول النهار او نائم، وفي المساء تبدأ عليه علامات الخوف كأنه يشعر بأشخاص معه بالغرفة، واحيانا يركض نحوي ويختفي تحت إبطي من شدت الخوف، ولا يستطيع النوم ويظل يراقب الباب والنافذة ولا ينام، واحيانا يطلب مني ان احضر عصى لان قوة مظلمة ستهاجمنا !
هل قمت بشغيل القران الكريم له في الليل!؟
القران ههه انت مجنون هو لايحب الاستماع للقران وحين يستمع له يتجمد ويبدأ يصرخ ويصرخ ويطلب مني إقافه!
هل يتناول ادويته بإنتظام؟
نعم... لكن اظنها قوية عليه لأن لسانه اصبح ثقيل قليلا...
حسناً حسناً لا تقلل سنخفف الكمية عنه!
تقدم الممرض احمد قليلا هو والحارس المخطار، كانا بالقرب من غرفة مهجورة، في الركن الشرقي من المصحة، حيث تتقابل مع الغرفة رقم 122 يفصل بينهما ممر ضيق بأرضية كانت بيضاء فالاوساخ والطبيعة القاسية وقلة النظافة غيرت لون الارضية من الابيض الى لون بين الازرق والاسود ، كانت الغرفة رقم 122 معزولة نوعا ما، باب متوسط بالالون الازرق الداكن ، نظر احمد الى المخطار وقال
اظن ان نوعية الادوية التي تكلم عنه والد عبداتي نفذت ويجب ان نتصل ب الدكتور سالم ليحضرها معه بعد ان ينتهي من اجتماعاته وتحضيرات الدكتور الجديد!
هل سيأتي دكتور جديد الى المصحة يسأل المخطار!
نعم واسمه يعقوب، شاب ذكي و محترم سيعجبك!
اتمنى ذلك، هل....
وقبل ان يكمل جملته خرج رجل طويل أعور ،وكان غاضب جدًا وقال
مابكم !!؟ هل تريدون قتله!!......يتبع
Hamodi Salek
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق