رواية : سر توينقشت، الجزء 12
تقدمت خطوة الى الامام وتجمدت في مكاني وكاد أن يغمى عليها من هول المنظر الذي أمامي ، منظر ل "علوات" ،وهو ميت وبلا أعيين، رئحة كريهة تخرج من جسمه، منفوخ يكاد ينفجر، لقد تمزقت ملابسه بفعل الغربان، لقد إقتلعت الغربان عيونه ومزقت بعض أطرافه، يوجد تحته كميات هائلة من النمل الاسود والاحمر ،حتى النمل لم يسلم منه و أخذ نصيبه من جسمه! يإلهي ماذا فعل هذا المسكين ليموت هكذا!؟ ياإلهي ماذا فعل المسكين ليعيش محروم من أمه طيلة عامين، ويموت هكذا!لم أستطع تحمل بشاعة المنظر، كانت رئحة كريهة وسامة تخرج من جسمه ومن أركان المغارة، بأقصى سرعة ذهبت الى المستشفى الكبير في ولاية الداخلة، كان المستشفى يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من ولاية الداخلة اي انه أقرب مكان ل "توينقشت" , كانت الساعة السابعة صباحا دخلت الى المستشفى كان وكأنه مكان مهجور، لاتوجد حركة ولا ممرضين، أظن مازالوا نائمين، دخلت من الباب الرئيسي ثم تقدمت خطوة الى الامام ودخلت من الباب الغربي حيث غرفة الحارس وقالت
السلام عليكم هل يوجد هنا أحد!!؟
إستيقظ رجل طويل أسمر، بدأ يفرك عينيه، حرك يديه يمين ويسار ثم قام يحرك رأسه وقال بالهجة فيها نوع من التذمر
أنت شدور!!!؟
يجب ان تسرعوا لقد وجدت شخص ميت في ضواحي توينقشت!!
ايو جاينا نحن لاش! گيس اهلو علمهم!
يا محترم انا لو كنت عارف أهله ماجئت اليك!
وشدورني انا نعدلك !
تكلم مع الشرطة و تحركوا في سيارة الاسعاف الى مكان الشخص في توينقشت !
خليني عنك نرگد، گيس أنت الشرطة وحدك، نحن البولانسيا "سيارة الاسعاف" وحدة خاسرة علينا وثانيا گاست الرابوني في حالة الطوارئ!
خرجت من المستشفى وانا ألعنه في سري، هذا تصرف حقير من شخص حقير، وعار ان يكون أمثاله يعملون في مؤسسة عمومية حساسة كالمستشفى!
إتجهت شمالا الى مركز الدرك الوطني، كان قريب من المستشفى، دخلته من الباب الجنوبي، كان البرد قارس جدا ،كان الجميع يعيش في سبات عميق وأظنهح يحلمون أحلام وردية تنسيهم ولو قليلا من واقع اللجوء!
السلام عليكم...... السلام عليكم
عليكم السلام ياذاك! تفضل
كان أمامي مجموعة كبيرة من الشباب نائمين إلا إثنين منهم واحد كان يقرأ القران الكريم والاخر يعد لهم الشاي، كان الشاب الذي يصنع الشاي، هو الذي يتكلم !
قلت له
هناك في توينقشت رجل ميت وجدته اليوم، اظن مر على موته ايام، نحتاج لسيارة لجلبه ودفنه في المقبرة، ونحتاج لطبيب للكشف عنه ومعاينته !
أظن سأذهب معك أنا وحدي، فشباب كانوا البارح في دورية أمنية لحماية الداخلة ولايمكنهم الذهاب معك
أقدر لك ذالك
إنطلاقنا في سيارة الدرك الوطني، وإتجهنا الى المستشفى ودخل قائد الدرك الذي كان معي، وخرج ومعه طبيبان، كان أحدهم ابيض وحليق اللحية و الاخرى فكان قصير وأسمر ولحيته كبيرة كأنه رجل دين!
كنا أربعة في السيارة، كنت الوحيد الذي يجلس بالخلف، كانت مسالك توينقشت صعبة للغاية ويستحيل على شخص عادي ان يهتدي ويعرف الطريق الصحيح والمؤدي الى الكهف، فهي أرض صخرية ورمال في كل مكان وخطئ بسيط يتسبب في قلب السيارة وتعطلها!
توقف توقف هنا.... الكهف امامك
قال قائد الدرك
واو، هذه مجزة !، أظنه كان يعيش فقط على حيوان الضب !
قام الدكتور وإسمه "السالك" بإعطائنا قناع أخضر لحمايتنا من الروائح الكريهة و قفازات نستخدمها لحمل الجثة !
تقدم الدكتور وأصابه الذهول هو و الدكتور الاخر حين شاهدا علوات المسكين بلا أعين وملابسه بالية ومتقطعة وأثار الغربان تنهش في لحمه! تقدم الدكتور السالك وفتش ملابسه لعلهم يجدون معلومة تفيدهم لمعرفة الشخص المجهول ، وفي جيب الدراعة وجد بطاقته الشخصية فيها:
الاسم علوات عبدالله
الام زوينوهة عيسى
تاريخ الميلاد 4/12/1964
مكان الميلاد:الداخلة دائرة بئر زران
حملناه بصعوبة بالغة الى السيارة، وكتب قائد الشرطة بعض الملاحظات عن مكان وظروف وشكل الجثة، اما الطبيب فكتب في دفتره أيضا بعض الملاحظات باللغة الاسبانية بخط غير مفهوم!
ماذا نفعل !؟قالها الدكتور السالك موجها كلامه لقائد الدرك
سنذهب اولا الى بئر زران ونتعرف على أهل الجثة ثم نتصل ب "محمد " إمام المسجد للقيام بتغسيله وصلاة عليه، ونغلق ملف القضية!
حسنا، مفهوم
في الطريق كنت خائف من ردت فعل زوينوهة، لن تتحمل منظر إبنها وهو بتلك البشاعة، أكيد ستموت حين تنظر إليه، او تصاب بالجنون! المسكينة أظنها الأن جالسة عند باب الخيمة الجنوبي تنتظر قدوم إبنها لتحتضنه وتقبله وتطلب منه الغفران، للأسف فعلت المستحيل لإنقاذ علوات لكن مشيئة الله كانت اقوى مني!
سألنا عند مقر الدائرة عن إسم زوينوهة عيسى ففي المخيم تعرف الناس بأماهتم اكثر من أبائهم ، وتوجهنا الى خيمة زوينوهة، لم أشئ ان اخبر الدرك ولا المستشفى أني اعرفه او تربطني علاقة بزوينوهة، كنت خائف من ان تحاسبني الشرطة على التفريط في عدم اخبارهم بمكانه، وان ذكرت لهم موضوع السحر ستحصل مشكلة كبيرة، ربما يطردون زوينوهة من المخيم وتنتشر بين الناس ان ازوينوهة ساحرة وهذا ماكنت أخشاه وفضلت الصمت!
دخل الطبيب و قائد الشرطة على زوينوهة، كنت واقف خارجاً بالقرب من الباب وكنت أسمع كلامهم دون ان تراني زوينوهة ،قال صاحب الدرك
أسف يأمي،لكن الموت حق وهذا إبنك وجدنها اليوم ميت في توينقشت وفي حالة بشعة لا يمكننك ان تشاهدي الجثة لان فيها خطر على صحتك!
بدأت الزوينوهة تبكي وتنوح لكنها لم تصمد طويلا بسبب المرض وكبر السن وأغمي عليها!
بعد دقائق معدودة فاقت من غيبوبتها وقال لها الدكتور
الاعمار بيد الله يأمي، ولله ماعطى ولله ماأخذ ، عظم الله اجرك، لا ترهقي نفسك بالبكاء ،البكاء يضر صحتك!
لم نجد عند إبنك سوى بطاقة وطنية، تفضلي يمكنك ان تستلميها! قالها قائد الدرك
أخذت البطاقة وبدأت تقبلها وتبكي وتبكي وتبكي وتقول كلام غير مفهوم، ثم خرجنا من عندها وإتجهنا الى المقبرة حيث وجدنا أمامنا امام المسجد وبعض الشباب المتطوعين!
بعد الصلاة والدفن، تفرقت الناس كل شخص ذهب الى سبيله وإنتهت قصة علوات مع السحر، أظنه لان مرتاح في قبره ،ربما جازه الله على صبره ودعائه وصلاته لوالديه رغم ظلمهم له!
إتجهت الى زوينوهة، وجدتها مازالت تبكي وتنظر الى صورة علوات في البطاقة الوطنية
السلام عليكم، عظم الله اجرك ،حقا أنا أسف لقد فعلت المستحيل لإنقاذه، لكن ذاك قدره
لقد وجدته الشرطة ميت وقالوا ان منظره مخيف!
انا من وجده وتصلت بالشرطة والمستشفى
والماذا لم تحضر معهم!؟
كنت خائف ان يكتشفوا اني تربطني بك علاقة، ويبدأون في تحليل ويكتشفون انك ورأى موته بسبب السحر ويسبب لك ذالك احراج وربما يطردونك من المخيم!
جزاك الله كل خير ياولدي لا اعرف حقا كيف أشكرك، لقد فعلت المستحيل وسافرت من اجلنا وانت لا تعرفنا ولا تربطك بنا علاقة دم او نسب
عمل الخير لا يحتاج علاقة دم او نسب ياأمي، نحن في مجتمع واحد وواجب علينا ان نتعاون ونساعد الاخرين بأي طريقة لان الله أوصى بذالك في عدة أيات من القران والرسول حثنا على العناية ومساعدة الآخرين
ليت الشباب مثلك يا احمد
الشباب مثلي ومزال فيهم الخير، نحن شعب طيب ونحب ان نساعد الناس الضعفاء ونتصدق على الفقراء والمساكين
قل لي من ابوك !
هههه، اسمي أحمد غلام أحمد، إسمي نفس اسم جدي، أمي توفيت كما تعلمين اسمها الرعبوب البخاري واعيش في العين البيضاء وحدي مع أبي لا أملك إخوة ولا أخوات
إعتبرني أمك من اليوم
بإذن الله، الان أستودعك الله، واسف مرة اخرى على موت علوات، وأي مساعدة أخرى أنا هنا وتعرفين مكاني ستجديني عند اهلي او في توينقشت ههه
الله يسبل طريقك ويدير صديقك فطريقك يارب
اكتملت قصة زينوهة وعلوات بما حملت من ألم وعذاب وتجارب مخيفية في أزواد وحوادث في بشار وأيام مضحكة واخرى مؤلمة جداً، كنت أبحث بشتى الطرق لمساعدتهم لكن الله قدر ان يموت علوات دون ان يحضن أمه!
بسبب قصتهم الطويلة غفلت عن أبي ولم أتكلم معه ولم أسلم عليه بعد ، ذهبت إليه وجدته جالس وحده شارد الذهن يقطع بعض الاوراق لأغنامه، كان حزين ياترى فيما يفكر!!
السلام عليكم
مرحباااا وسهلات انت أينتا جيت!؟
كيفني جيت
ايو ياك لا رگعان الغاية!
للاسف لا، كنت فقط أساعد صديق عندي في بعض أموره الخاصة
دهرا ذا كيفك ماتشتغل واحل فيه كون دفعة ودجيني لاوي عنيسك، انا شكيت عنك عت تشتغل وعت راجل، والمشكيلة عني دينت على حسابك اخمس ملايين شاك عنك لاهي دجيني بالفظة، وانت ماجيتني ماهو بموجعة القلب! كون أمشي گيس بيتك وتم راقد كيف تعرف! ولا مشي عيش فتوينقشت كانها تعطيك الفظة وتعدل منك راجل!
لكن ياأبي...
لكن اش! خرص زين و شوف أقرانك عندهم الوتات ولي عاد بتركتو وعاد راجل، ولي عاد بباتيگو وانت رويگد عندي انا هون نوكلك ونشربك !
راجل ياولدي باش يعيش هون في المخيم خاصو يعود فظتو وللا هو والعدم سياني!
خرجت من الخيمة لم أتحمل كلام أبي المزعج والمتكرر لقد حفظته عن ظهر قلب، أسمعه كل يوم من عنده ، هو تغافل اننا نعيش في المخيم
أين سأعمل !؟
ومع من!؟
واين الوظيفة!؟
لا توجد مصانع ولا اعمال ولا شركات!
في صغري كنت أحلم فقط بالعودة الى الوطن وتحرير الصحراء الغربية وأنضم كمقاتل في صفوف جيش التحرير الوطني، كنت أحلم بالعودة وان أصبح رجل اعمال مشهور املك منزل كبير في العيون وسيارات من أحدث المركات ، كنت احلم ان اصبح صياد تجوب سفني المحيط الأطلسي ذاهباً وأيابا ، لكن للاسف فتحنا أعيننا في عالم بلا مساواة، فلوكان فيه مساواة لكن نحن لأن نصطاد في محيطك ياوطني الحبيب!
بالمناسبة ماشكل محيطك ياوطني هل هو واسع وعميق كالرمال توينقشت ، أنا اسمع انك غني بالاسماك لكن لا اعرف ماهي الاسماك هل هي حيوانات تشبه حشرات توينقشت ، هل هوائك مثل هوائنا عواصف الرملية حارة! هل تزغز العصافير عندكم في فصل الربيع حين تطير خيمتنا من شدت العاصفة الترابية! هل تسبحون في المحيط صيفا حين تذوب جلودنا تحت حرارة الشمس الحارقة في بيوتنا الطينية !
مر أسبوع على موت علوات، ما زلت هنا في البيت جالس وحيد، أفكر في ريتااج وسبيل اليها، كانت ريتااج الشئ الوحيد الجميل الذي عشته في قصة زوينوهة، صوت أبي من خلف الباب يصرخ
احمد يأحمد
مابك!؟
گوم ياولدي شريلنا نص كيل من اللحم من المرسا "السوق" عدلنا اسبوعين عن نوكلو اللحم!
اين وجدت المال!؟
الا نحانيك انت تعطيهلي!! ماشالله ولدي محشمني گدام الرجالا فگراش وتاتوا ياسرات ولاخصنا خير معاه!
كفى كفى، خلاص أنا أسف اني سألتك
هذي 7 الاف عاطينهالي بيا من الرعاية!! هل تعلم معنى الرعاية يااحمد، اننا انا وانت دوينين وعاجزين ، نحتاج من يرعانا لاننا فقرا معدومين في هذا المجتمع!! وانت عاطيها واحل فيه كون الرقاد والوحدة والعزلة في البيت!
خلاص ياأبي يكفي أرجوك، توقف من فضلك عن إهانتي!
الطريق الى السوق الغربي ممل، مكبرات الصوت المزعجة ترتفع تطالب المواطينين للحضور لتوزيع المواد الغذائية البسيطة، لقد تدهور الحال ولم تعد المنظمات الدولية تدعمنا كالسابق، مع كل عام تنقص مادة او مادتين من دعمهم!
كان "الحافظ" اول الحاضرين عند مقر الادارة بحماره الاسود الذي يحمل عليه المواد الغذائية من عند المواطنين مقابل مبلغ معين يتفقون عليه، للاسف حتى الحافظ بحماره افضل مني !
كان السوق ممتلئ نوعا ما بالناس، العديد من السيارات في الاتجاه الجنوبي، تقدمت الى الجزار كان رجل عريض وضخم، يلبس ملابس، بالية والدم يغطي كامل جسمه ومعه شخص أخرى يصنع له الشاي بالداخل، صف طويل والعديد من النساء والرجال، وقفت في الطابور لدقائق وحين وصل دوري قال الجزار
كم باقي من كيل!؟
أريد نصف كيل فقط!؟
قال يستهزئ
هههههه نص كيل متلا حد يشريه!! ونحن مانبيعوه
لكن انا عندي فقط ثمن نصف كيلوغرام!
يعملك!!! نحن مانبيعو نص كيل، وتخطا خلينا نبيعوا لحد ثاني أخير منك!
شعرت بالذل والاهانة كوني فقير ! رجعت الى أبي في انكسار وذل وقهر وقلت
مابغاو يبيعولي نص كيل!
عارف عنهم ماهم لاهي يبيعولك نص كيل ياولدي ، كنت باغيك تجرب وتشوف عن الفقير ماتلا يقد يعيش هون، لاهي يعاملوك كأنك نكرة ولانك شي بيك بلا فظة، أشتغل ياولدي وعود فظتك ولاهي توگف الناس كاملة حتراما لك!
ظريك مشي شري دجاج وتعالى!
رغم قساوة كلام أبي لكنه نطق بالحق، العالم لا يعترف بالفقر ولن يعطف على الفقراء والمساكين، المال هو رب الناس في هذا الزمن!
في المساء ذهب أبي لزيارة صديق له، وكنت وحدي في المنزل واذ بشخص يسلم من خلف الخيمة كان صوت أنثى
السلام عليكم
وعليكم السلام
ثم خرجت واذ بي أرى إبنة سوكينة تقف امامي، قالت في خوف
الحمدلله واخيرا جبرتك!
مابك!؟
زوينوهة تحتضر، أظن ان ساعة موتها اصبحت قريبة، من الصباح وهي" تقول جيبولي احمد بالعجلة " كنت اظن في البداية الامر انها تهذي من شدت المرض والحمى لكنها أكدت لي انها واعية على كلامها وتريدك في أسرع وقت
ركضت بأقصى سرعة نحو خيمة زوينوهة ، ومئات الاسئلة تنخر في دماغي ياترى ماذا تريد هذه العجوزة ! هل تريد ان تعتذر مني ! هل تريد مني ان أدفنها قرب إبنها! ماذا تريد...!؟
وصلت الى الخيمة ودخلت بسرعة وجدت أنفاسها ترتفع وتنخفض كانت وكأنها تختنق
وقالت حين رأتني وبصوت بالكاد أسمعه
هل تتذكر اول مرة حين جئت وقلت لي ان علوات بعث معك رسالة تقول :
""ماميتو فايلات، سيسوا شرامينو، وقيلو تباركنو، سيدرار صحيتيك، شاندور موت، كنوزا مي نوما""
نعم أتذكر تلك التعويذة الغير مفهومة
هل تعلم ماذا قال فيها! ؟
لا..!
قال....... يتبع
________________
سر توينقشت
الجزء الثاني عشر
Hamodi Salek
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق