> قصة اجتماعية : بداية جديدة.... - قصص من واقع المخيم

إعلان اعلى المقالة

إعلن هنــــا

السبت، 4 أبريل 2020

قصة اجتماعية : بداية جديدة....

قصة اجتماعية : بداية جديدة....


قصة اجتماعية : بداية جديدة....



"حِين تظنُّ أنّ الأمر كادَ أن ينتَهي ...
يخلقُ اللهُ لكَ مخرجاً....لِتبدأ مِن جَديد."


لا جدوى من ذهابي اليومي للمدرسة....في النهاية
انا سأصبح راعي غنم ، تماما مثل اخي الأكبر
طوبى له...لا يستيقظ باكرا على صراخ امي...
و ليس مجبرا على كتابة و حفظ أشياء لا يفهمها...
لا بأس ، نهاية هذه المأساة ستكون تماما حين اتقن كتابة اسمي الكامل ، هذا ما سينفعني مستقبلا ...مستقبلا ! ماذا تعني هذه الكلمة اصلا ، إنها كلمة تكررها امي دائما لأختي و أخي الأكبر ، و ايضا اذكر حين سألتنا معلمة الصف ذات مرة ، ماذا تريد أن تصبح في المستقبل حين تكبر ؟
انا لم أفهم ماذا تقصد لكن احمد السمين ، الذي يجلس في الامام ، أجابها بسرعة ، و كأنه كان مستعدا
لهذا السؤال :
* سأصبح طباخا و سأملك مطعما كبيرا مقابل المدرسة .
إنه غبي تفكيره في بطنه ، لكنه كالعادة أضحك المعلمة و كل القسم ، إلا أنا فهذا السؤال شغل تفكيري كنت سأسألها ماذا تقصد ، لكن صوت الصافرة و صراخ المعلمة بأن الوقت أنتهى و قد حان وقت الخروج منعني في ذالك اليوم .
لا بأس،بما أنني تذكرت سأسأل اختي فلقد عادت الأمس من الجامعة في الجزائر ،هذه المرة ستقضي معنا شهر ، كما وعدتني في عطلتها السابقة معنا .

لكن اولاً ، يجبُ أن أضع هذا الخبز في المطبخ ، فإنْ رأتني امي ستوبخني ، فلقد طلبت مني احضاره من المخبزة المجاورة ، و لكن انا أكلت بعضا منه اثناء سهوتي ...
بالحديث عن السهوة، يجب أن ابحث عن "مريم " قبل نسياني ذالك السؤال مرة أخرى....
وجدتك، امسكي هذا الخبز لفيه و لا تخبري "مباركة " انني من اكل نصفه....
و ايضا ، لقد أخذتُ ما تبقى من النقود ، إنه حقي من تعب إحضار الخبز من بعيد...

أخذته من يدي و لفته جيدا و وضعته في الفرن لحفظه فيه ، إلا أنها لم تعلّق على ما فعلت ، فقط إكتفت بِابتسامتها لي ،فهي دائماً لطيفة في أيامها الأولى معنا ، لكني سأغتنم هذه الفرصة لصالحي لأنني اعرف انها ستتغير لاحقا.
* "مريم" لقد سألتنا المعلمة ماذا نريد أن نصبح في المستقبل... لكنني لم أفهم ماذا تقصد بالمستقبل تحديدا ، اشرحي لي هذا الأمر جيدا ، لقد بقي عالقا في ذهني منذ مدة ...
نظرت إلي بلطف، و أمرتني بإحضار كرسي المطبخ الصغير لتجلس عليه... و بدأت تقول:
* المستقبل هو كل زمن آتي، يعني غدا مستقبل، الشهر المقبل مستقبل، السنة القادمة و ما بعدها من السنوات مستقبل، و ايضا حين تكبر و تصبح رجلا سيكون ذالك في المستقبل ان شاء الله .
* اااه يعني المعلمة كانت تقصد اننا سنصبح رجالا في المستقبل ....
"إبتسمت مرة أخرى ، أظنّها ستنعتني بالغبي مثل ما تفعل المعلمة دائما ،إلا أنها إكتفت بإبتسامتها ، و أكملت قائلة" :
* يا "الصالح" كل طفل يريد مستقبلاً جميلاً بما تمناه ، يوجد من يحلم بأن يصبح طبيبا يعالج المرضى، او شرطيا يحمي الناس و يعاقب المجرمين...مثلا :
حين كنت في الخامسة من عُمرك،أردتَ أن تطير
و تهزم الأشرار مثل "سوبر مان" ....
و الآن ، و أنت في عُمُرِ الثانية عشر ،بماذا تحلُم ؟؟
*من ؟ أنا !!!
طفل غبي مثلي لا يفقه شيئا ، بالكاد فهمت سؤال المعلمة ،أيحِقُ لي أن أحلم ايضاً ؟؟
*و لما لا ؟
الأحلامُ من الفِطرة يا أخي....نولد و نحن نحلم...
كل منا لديه الحق ، في أن يحلم الحلم الذي يريده ...
* لم أفكر مسبقاً في ذالك و لكن أعتقد
بأنني سأكون مثل "محمد سالم " ....
لدي بعضاً من الغنم في البادية ، أرعاها...
و أبيعها...إن احتجت مالاً ....
* و هل تعتقد حقا بأن أخاك أحب رعي الغنم
و تلك الحياة الشاقة؟
* لا أدري و لكنه ليس مثلي ، يعيش حياة صعبة مقيدة بالاستيقاظ فجرا ، و الذهاب الى المدرسة محملا بمحفظة مليئة بكتب لا أفهم محتواها و لا أحتملها اصلا ، و في القسم اكون مجبرا على الاستماع للمعلمة التي تظل تصرخ بأشياء لا أفهمها أيضا ، و إن لم أجب على سؤالها المبهم أكون بعدها ضحية للعصى....
في البادية الحياة اسهل ، لستَ مضطرا على أن تفعل ما يريده الآخرين ....
* إن الصعوبة يا أخي سُنّة الحياة ،و شرط لكل نجاح
و ما الحياة إلا طريق صعب ، إذا صبرت تشقيك بدايته ....و تعش كريما مرتاحا في نهايته، اما إذا إستسلمت....فهناك طرق سهلة ، نهايتها ذلٌّ و شقاء.
* أيعني أنّ الدراسة طريق صعب ؟
* نعم ، صعب و طويل .
* و لكن كيف سأجتاز هذا الطريق ؟
* إن الله الذي خلق الطريق الصعب...خلق فيك القوة على اجتيازه .
* الآن فهمت...يعني أنّ "محمد سالم " قد إستسلم
....و اختار الطريق السهل .
* تماما...لذالك لا اريدك أن تصبح مثله .
* و أنتِ ، هل حققتِ الحلم الذي أردته؟
* نعم يا الصالح ،إنني على وشك تحقيقه ،لطالما أردتُ مساعدة الاطفال في المدارس و توجيههم في حياتهم ....و انا الآن، سنة ثانية ماستر على وشك التخرج بتخصص علم النفس التربوي ....
و الآن ، إذا انتهت أسئلتك إذهب و نادي "مباركة " سأضع الغداء لقد زاد جوعي بحديثك .

أثناء تناولنا وجبة الغداء ،سألتني اختي عن مدى تحضيري لإمتحانات هذا الفصل...و التي لا تُهمني اصلاً
ليتها لم تسأل فلقد بدأت أمي من جديد :
* إنه لا يدرس ، و كيف سيدرس ؟؟ إنّه غبي و جاهل
و سيبقى كذلك ، تماما مثل أخاه...و معلمته تشهد
على ذالك ، لقد اشتكت منه الف مرة...كل همّه اللّعب و تربية الحيوانات في المنزل ...لقد أصبحت لدينا
حظيرة هنا بفضله ...حقا لقد إكتفيت منه ....
لكن قاطعها ابي قائلا :
* دعي إبني و شأنه... إنّه صغير ليتحمل عتابك انتِ في المنزل و المعلمة في القسم ....
"ااااه يا بابا يا حبيب قلبي... غيرك لن يفهمني"
* بالطبع انا من يستحمل أخطاءه...و انت ستبقى سعيد بإفساده با دلالك الزائد...أي نوع من الآباء أنت !!!

"أعتقد هذه المرة أنني سأتظاهر بأن اللقمة علقت في حلقي ، و بأني على وشك الموت، لعلي أُخمد هذا الصراع ...
فعلا ، لقد نجحت في ذالك...لقد إنشغلت أمي بتكرار البسملة، و إعطائي الماء و بتدليك يدها على ظهري...
لا أعلم لما ينعتونني بالغبي... و لكنّي أعرف في أعماق نفسي...بأنني عبقري ، أجل...أنا عبقري ، لأنّ جعل امي تسكت في مثل هذه الأوضاع... يلزمه الذكاء المحنك .
حسنا يكفي تباهياً...فلقد بدأت أختي بأوامرها" :
* الصالح صلي صلاة الظهر...و أحضر لي محفظتك سأساعدك في مراجعة دروسك... و معرفة الصعوبات التي تواجهك.
* ليس الآن أرجوك ، أنني حقا أحس بالتعب و النعاس .
* دعك من الشكاوى و أحضر لي محفظتك .
* وووف حسنا .
أحضرتُ المحفظة و نوالتها كتاب اللّغة العربيّة ،
فتحتْ إحدى صفحات الكتاب... و أشارت الى نصّ صغير ...طلبت مني قرائته... نظرتُ مطولاً إلى تلك الحروف المتسلسلة....و بدأتُ بالتلعثم إلى أن قلت :
* ' رَجْحَاا '....
* إقرأها مجددا ...
* ' رُوجحة '.....
* يا الصالح إنها 'أُرجوحة'....
أحقا لا تعرف القراءة !! أم أنك تمازحني ؟
*هذا القدر من السخرية يكفي ، سأذهبُ لآخذ قيلولة .
* حسناً حسناً... لا تغضب.... لقد سألتك بجدية....
كيف لطفل مثلك ، في مستوى الخامسة ابتدائي
و مقبلٌ على الإعدادية .... لا يعرف القراءة...
و لقد أعدت هذا المستوى اصلا !!!
* لا تبالغي، و إلا سأذهب.
* حسنا ، مرة اخرى ، أكتب لي إسمك و تاريخ ميلادك .
* صلح.... 208
* انت حقا لا تمزح ، لديك ايضاً مشكلة في كتابة الحروف و الأرقام ....
أنظر، هكذا يكتب إسمك "الصالح " و لقد ولدت في "يناير .... 2008"
* إنني حقا في حيرة ...لما لم ألاحظ هذا سابقا ؟؟
بل و كيف وصلت إلى هذا المستوى ؟ و أنت هكذا ؟؟
* لأنّكِ و ببساطة ، كل الوقت في الجزائر لِدّراسة ....
لا تأتي إلا أيّاما... و تعودي في الصّيف ...حيث أكون أنا قد ذهبتُ لقضاء العطلة الصيفية في إسبانيا...
أما دراستي أنا ، فكل الفضل لِمعلمتي في السنوات الماضية... إنها صديقة "مباركة"...لم تقصّر يوما
في الإعتناء بي ...
* أنت محق ، لطالما كنتُ بعيدة عن المنزل ....
لكن ،معلمتك الآن...أتعلم بهذا ؟
* إنها لا تهتم و لا أريدها أن تفعل، ستتورم يدي بالعصى إن علمت .
* لا لن تفعل ، أعتقد بأنها ستبدي إهتماما أكبر إن علمت بصعوبتك .... هذا من أولويات المعلمة.
* يا مريم يجب أن تفهمي ،أنّ المعلمة لا تهتم إلا بالذين يجلسون في المقاعد الامامية....لذلك انا دائما اجلس في آخر مقعد.... لكي أتجنب توبيخها لي.
* لكن هذا ليس عادلا، يا لها من معلمة لا مبالية .
* لا تبالغي ... هكذا تعودت منذ سنتي الأولى في المدرسة.
* هذا الكم من الإهمال اوصلك إلى هذه الحالة، و لكن لا يمكنني أن ألوم المعلمة فقط ....كلنا كنا سببا في عجزك ،انا التي كنت دائما بعيدة منشغلة بدراستي
و امي ، التي تمنعها أشغال البيت و العمل...
عن مراجعة دروسك...و أنا متأكدة ايضاُ بأن دلال أبي المفرط لك ، يمنعه بأن يجعلك تقوم بأشياء لا تحبها لأنه يعلم أنك تكره الدراسة ....
سأذهب غدا للمعلمة ، اريد رؤية طريقة تدريسها لكم.
* انت حقا تبالغين.... إفعلي ما شئتي، سأذهب لألعب الكرة مع صديقي "محمود" .

ها أنا في صباح يوم آخر....أخربش على هذه الطاولة لا أدري... لعلي أتعلم كتابة إسمي ....
و أنتهي من هذا الكابوس ....لقد كان الأمر محرجاً
في الأمس امام أختي .
أليست هذه هي التي دخلت الآن ؟ متوجهة نحو المعلمة ؟
إنها هي ، لقد كانت جادة حين قالت أنها ستلتقي بها اليوم ، إنها في نقاش مع المعلمة....وووف لقد طال هذا النقاش....لقد آشارت إلي ،آمل أن لا تُحرجني "مريم" ....مهلا، إنها تجلس في الطاولة الامامية المجاورة للمعلمة ، هذه حتما جُنّت....ما الذي تفعله !!
إنني أنتظر وقت الإستراحة...هذا الفضول يقتل صبري ...إنه صوت الصافرة...حان وقت الاستراحة....
* مريم ...مريم ... ما الذي تفعلينه في قسمي ؟؟؟
و ماذا أخبرتِ المعلمة ؟
* أخبركَ لاحقا ...عندما نعود للمنزل.... سأذهب لقسم آخر ....
*ما الذي تقصيدينه بقسم آخر ؟
*لاحقا يا الصالح
ما الذي تفعله هذه الفتاة ، يبدو أن فضولي سينفجر قبل أن أصل للمنزل ...

إنتهت الدراسة لليوم... و ها أنا أعود لمنزلي.....
ما إن دخلت الخيمة ، حتى رأيت "مريم" في نقاش
مع "أمي" ....قاطعتهما بقولي:
*مريم أخبريني بوجودك اليوم في المدرسة، فلقد زاد فضولي عند جلوسك فيه ، و أيضا لقد قلتِ بأنكِ ستذهبين لقسم آخر لماذا ؟؟
*كما تعلم يا الصالح ، سأتخرج في هذه السنة بإذن الله و يلزمني موضوع دراسة لذالك.....
و بفضلك ، وجدت موضوعا جيدا مناسب لمذكرة تخرجي، و الذي سيكون : "أسباب صعوبات التعلم عند أطفال الإبتدائي في المخيمات "
و لذالك ذهبتُ اليوم لمدرستك ، و تمكنت من حضور حصتين في قسمين مختلفتين.... في قسمك... و في قسم سنة أولى أبتدائي.
* لم أفهم الكثير مما قلتِ... لكني سررتُ بمساعدتك... ولو بدون قصد، و لكن لماذا أشرتي إلي ؟
* أتعلم أن معلمتك صديقتي ؟ لقد درست معي سابقاً،لم أتوقع ابدا بأنها ستصبح معلمة!!!
لقد كانت لا مبالية بالدراسة ،حتى إني سمعت بأنها تركت الدراسة بعد فشلها في امتحان شهادة المتوسط كيف أصبحت معلمة ؟؟
المهم.. لقد أشرت إليك حين أخبرتها أنك أخي ، و لقد سمحت لي بالتواجد في القسم أثناء إلقائها الدرس وقت ما شِئت...قد يساعدني ذالك في إعداد المذكرة .

* يالا حظي ،المعلمة صديتقك سأستغل ذالك جيدا.
* هههه "الصالح" لا أنصحك بذالك ، لقد طلبت منها أن تنتبه لك أكثر من قبل ...
"أمي" لقد رأيت "السالكة" جارتنا، إنها معلمة سنة اولى إبتدائي ، تدرّس في القسم الذي حضرته اليوم... عندما دخلت وجدتها لاهية في الهاتف تنتظر إنتهاء الوقت ،و الأطفال في فوضى عارمة...تخيلي كيف سيكون مستقبل هؤلاء الاطفال ، يتم تدريسهم بهذه الطريقة ....لا زلت لا أصدق بأن وزارة التعليم
توظف هكذا معلمات !!!
* يا إبنتي، إن الأوضاع في المخيم صعبة ، و العمل في المدرسة أصعب ، و الراتب قليل ،في حين أن المثقف الخريج لا يرى نفسه لائقا لهذا العمل ، و يبقى شاغرا للعاطلين ، الذين دفعتهم الحاجة لتدريس ...
.....لعل أجره يسد حاجياتهم .
*أنتِ محقة ...و لكن يا "أمباركة" الطفل الآن،
في مرحلة نمو جسدي و عقلي لم يكتمل بعد،
و إهمال التغذية العلمية لفكره قد يؤثر لاحقا في مراحله القادمة...و أنظري نتائج ذالك على "الصالح".
*لا ذالك مختلف...إنّه إبني و أعرفه ...غبي كالحمار
لا يبلي أدنى إهتماماً بالدّراسة، كل همه بأن يلحق بأخوه في البادية و يصبح مثله .
* أمي... أرجوك ... يجب أن تعرفي أنّ الطفل يتأثر بالمحيطين به ، و يتعلم سلوكاته و يكتسبها، من خلال تقليده لهم ، و بأنّ أسلوبك هذا كان السبب الأكبر في إحباطه ، و ضعف تقديره لذاته ...
*كيف يمكنني أن أفعل شيئا كهذا لإبني!!!
* شتمك المستمر له ، و السخرية من قدراته كان كافي لذالك.
* يا إلهي!!!
أنا أوبخه دائما لأجل مصلحته ، لم أقصد ابدا تحطيمه.
*طبعا ، لم تقصدي...لكن أسلوب التربية الخاطئ ،يؤدي إلى ذالك...
فتخيلي أنّ "الصالح" تعوّد على هذا الأسلوب في المنزل ... و في المدرسة .
* اااه يا صغيري...أنا حقا آسفة... الآن أفهم لماذا
يكره الدراسة...
* أمي...لا بأس...
مزال بإمكانك أن تساعديه .
* و كيف ذالك ؟
* إصنعي له أملاً جديدا...إبدئي الاهتمام به و بدروسه
في حوارك معه،كوني إيجابية....قدّري ما يحب ...
تجنبي لقبه بالغبي و الحمار ...جربي منادته بالبطل الطبيب، المحامي...إنّ الطفل يصدق ما يقال له.
* هذا جيد ...سأبدأ من الآن إن شاء الله ...
و لكن أين هو الآن ؟؟؟
*إنه جالس أمام التلفاز ...سأناديه...
الصالح...الصالح... تعال و أحضر محفظتك...

* "مريم "ماذا تريدين منّي !!!
*ضع هذه المحفظة هنا ، و إجلس بجانبي...
سأقوم بتعليمك...ستبدأ التعلم من البداية...
*وووف... أرجوك ليس الآن ، لا أريد إحراج نفسي مجددا ، أفضل البقاء هكذا ...إلى أنْ...
* إلى متى ؟؟ أتستسلم أنتَ أيضاً ؟؟
"الصالح" ... إنّ الفشل ليس عيبا ،العيب الاكبر
أن تدرك خطأك ، و لا تسارع في تصحيحه.

"أعتقد بأنّها على حق ، لقد حان الوقت...
بأن أدرك أن الأخطاء لا تحدد النهاية...إنما هي بداية لمحاولة جديدة "

"لقد بدأت أستمع لإرشادات أختي و لتعليمها ....
أصبحتُ قادرا على الكثير...
لم تعد الحروف متلاقصة مع بعضها ....
لأنني أراها بوضوح ....و أتهجأها كلمات ...

مع مرور الايام.....
لم يعد الأمر صعباً لهذه الدرجة ....لأنني أقرأ الآن ...
أحيانا أقرأ المحادثات من هاتف أمي ، لقد أصبح ذالك يزعجها ...هي أيضا ، أصبحت غريبة قليلا... أخبرتني أنها تثق بي، و بأنها تجهز لي مفاجئة بعد إنتهاء الإمتحانات...
لكن ، ما لم أتوقعه من نفسي ، أنني سأتسابق يوما
مع " أحيمد السمين" ، على الطاولة الأمامية ....
أجل... أنا..."الصالح"، المشاكس...الا مبالي بالدراسة...
أصبحتُ أفضّل الجلوس في الأمام ...يصل الأمر بيننا إلى الشجار أحيانا ، لكني دائما ما أراضيه بما يسعد بطنه....هو يريد الجلوس في الأمام ، لأن نظره ضعيف....لا يرى بوضوح...
أما أنا ،فأصبحت مضطرا على ذالك... لأنني مجبر على إظهار نفسي... لِيراني الجميع واضحاً ...
حتى المعلمة ، لاحظت هذا التغيير و أعجبها الأمر...
و قد تعلمت من سنواتي السابقة .....
بأنّ لا أحد يلاحظ وجودك ، و أنت في الخلف...
و بأنّ النجاح، يتطلب الإقدام إلى الأمام دائما...
.
المهم ...أنا الآن في قمة فرحتي ... أنتظر إكتمال العائلة ...سأخبرهم بنتيجة إمتحان شهادة المتوسط...

و أخيرا...إجلِس أبي، إجلس هنا...لقد كنّا في إنتظارك
قبل أن يقتلكم الفضول ، أفضّل أن تموتوا فرحاً، و الآن إستعدوا :
لقد نجحت ...نجججججحت ...أجل فعلتها...و أخيراً...
* أحسنت ...بني ، لقد كنت أعرف أن هذا اليوم سيأتي لأفخر بك...
*شكرا أبي ...
*أخي ،لقد إستحقيت ذالك...سأقبّل رأسك الكبير...
أعطيني الورقة لأرى النتيجة...
اااه هذا رائع يا "الصالح" ... لقد قفزت بدرجتك من معدل 03.45 العام الماضي، إلى النجاح الآن، بمعدل :05:00 لقد عملتَ بجهد كبير لهذا.
* كل الفضل لكِ يا "مريم"، بسببي تأخرتِ في إلقاء رسالة تخرجك.
* لا ، بل بفضلكَ أنتَ ، تخرجتُ بأعلى درجة .
* "الصالح" بني ، لقد إستحقيت المفاجئة ، التي أعددتها لك...ستذهب في عطلة لأسبوعين
إلى البادية ، لزيارة شقيقك...
أعرف أنك إشتقت إليه كثيرا ...
* أمي لا أصدق ، شكرا جزيلاً....و هل يمكنني أيضاً أن آخذ معي ، دجاجاتي...و كلبتي الصغيرة ؟؟؟
* بالطّبع ، يمكنك ذالك...يكفي أن تستمر في نجاحك.

"و ما بعد الكفاح ،إلا النجاح ...أعرف أن الطريق، لا زال طويلا ، لكني أريد مجابهته ،إلى أن أصل إلى وجهة ما"

* أختي لقد أخبرني مدير المدرسة ،أن تلتقي به غدا
الأمر مهم ، على ما أظن ...
*و أخيرا ...إنني أنتظر رده منذ مدة .
* و لماذا... ما الأمر ؟
* لقد قدمتُ له إقتراحاً، أو بالأحرى.. رجوتُ منه طلباً
بأن يقوم بتوظيف أخصّائي نفسي في المدرسة.
* و لماذا ، أم أنكِ تُأمِّني وظيفتكِ للعام المقبل ؟
* لا أبداً، ألم أقل لكَ مسبقاً أنني على وشك تحقيق حلمي ؟؟ حلمي هذا سيتحقق لمساعدة الجميع....
لقد إستغرق مني ذالك وقتاً، لإقناع المدير ، إنه شخص واعي بأهمية الجانب النفسي لطفل...لقد كان مترددا بحجة أنّ الرواتب لا تكفي لتوظيف ، و أيضا الأمر يتطلب موافقة رسمية من وزارة التعليم...لكنه إقتنع في النهاية ، و قرر إقتراحه في إجتماع المدراء مع وزير التعليم ...إنْ نجح في إقناعهم سيتم تعميم الفكرة في كل المدارس...أنا أنتظر رده الآن.
*إنه شخص طيب...لكن هل هذا مهم ؟؟ أعني ما الذي سيفعله أخصائي نفساني في المدرسة؟؟؟
* الكثير يا أخي، الأخصائي دوره يكمن في مساعدة التلميذ و المعلم معاً، إذ أنه سيساهم في حل مشاكل الأطفال و تسهيل عمل المعلم.
*كيف ذالك ؟؟؟ لم أفهم المشاكل التي قد نعاني منها في المدرسة؟؟؟
*مثلا : مشكلة التسرب المدرسي، صعوبات التعلم... العنف بين التلاميذ ،الخجل ، السرقة ، الكذب ....
هذه كلها مشاكل تؤثر سلبا على نفسية التلاميذ و على تحصيلهم الدراسي ، و يقوم الأخصائي بتشخيصها و دراسة أسبابها ، و علاجها ، و أيضا يعطي المدرس طرق أخرى للعقاب ، دون إستخدام العنف .
*أحقاً ، أيُمكنه القيام بكل ذالك!!! لكن أليس هذا عمل المدرس ؟؟؟
* نعم و أكثر ...
لا ، لأنّ أغلب المعلمين يركزون على دورهم
الأكاديمي فقط ، يعني إلقاء الدرس...و متابعة
نتائج الإمتحانات ...لذالك هم أيضا بحاجة
للأخصائي النفساني .
*أنت محقة ، لهذا أغلبنا يكره المعلمات ...أتمنى أن تنجح هذه الفكرة ، ليجد الأطفال من يعتني بهم
و يهتم لأمرهم ...داخل المدرسة .
*إن شاء الله يا أخي ...غداً سنعرف ....
* "مريم" ألم تسألينني قبلاً عن حُلمي ؟ أريد أن أعرف إنْ حلمت حلماً ...أيتحقق؟؟
*إن آمنت به و صدقته...نعم...
هل أصبح لديك حلم الآن ؟؟؟
* لا أدري، كل تفكيري في الحيوانات التي أملك ...
أنا حقا أحبها ، أحب تربية الدجاج ، و اللعب مع القطط ....و أحزن لأن "ميني " كلبتي الصغيرة عرجاء ...
* أعرف ذالك ، لكن ما علاقة هذا بحلمك!!!
* لقد أخبرني صديقي ، بأن عمه طبيب بيطري
يعالج الحيوانات و يساعدهم...فتخيلي لو أصبحتُ مثله ...لن أسمح لحيوان صغير بأن يتألم و يحزن... عندها سأساعد "ميني "، و أكون دواءاً لها...
* اااه يا صغيري كم أنت رائع بقلبك هذا ...أن أتخيلك و انت طبيب ...يجعلني سعيدة .
*أحقا أستطيع تحقيق ذالك ؟؟؟
* بالطبع ، يمكنك ذالك أيها "البيطري" ...
يكفي أن تحلُم....
فقط : آمن بحلمك...و أعتني به .

"أليس من الرائع أن تحلم...بل الأروع أن تتغير إلى الأفضل ...أعترف أنني تغيرت ...مع مرورِ السّنوات أصبحتُ أؤمن بالبدايات الجديدة....
و بالنهاية السعيدة....
و بأن الصّبر يثمر عطاءاً...و بأن التمنِّي لوحده...لايكفي

هذا ما أكرره لنفسي الآن...في سفري هذا....
العلامة التي تحصلت عليها في شهادة البكالوريا أهّلتني لمنحة دراسية...إلى "كوبا"
و ها أنا في طريقي ... لن أعود ...
قبل أن أحقق ما أردته...
و لن أتوقف إلى أن أصبح فخورا بنفسي...
تماما كما فعلت أختي...لقد أثمرت جهودها ...
بفضلها ، أصبح الأخصائي النفسي و الاجتماعي
موجود في كل مؤسسة تعليمية في المخيم ....

أجل... كان طريقاً صعباً ...لكنّي لن أخاف
مواجهة الممكن....
لأنه حين تقرر أن تبدأ الرحلة ...سيظهر الطريق....
و لا تيأس أبداً من المحاولة....
لأنك حين تظنّ أنّ الأمر كاد أن ينتهي....
يخلق الله لك مخرجا ً....لتبدأ من جديد...


"Chaia Mohamed Ali Zeirg "

هناك 6 تعليقات:

  1. أبدعتي وصلي على هذا المنوال

    ردحذف
  2. أبدعتي أختي الشائعة نتمنى لك التوفيق 👏👏

    ردحذف
  3. خيك قصة في المستوى واصلي رفيقتي!!

    ردحذف
  4. وني بيك شيوعتي ينصرك اعلى عصرك خيك يمي اوى حق ✌🇪🇭

    ردحذف

إعلان

إعلان أسفل المقالة

إعلان متجاوب هنا

تواصل معنا

تغروين

من أنا

author موقع قصص من واقع المخيم هو منبر لمشاركة القصص من واقع المخيم باللغة العربية و اللهجة الحسانية.
أعرف المزيد ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جميع قصص من واقع المخيم