قصة اجتماعية: على ضفاف الألم.....نزرع الأمل
نری زمن يدورُ من حولنا ببطء، لنصبحَ أيتاماً نُقاوم جور وبطش المعتدين،غدروا بطفولتنا ولم نعدْ نلعب ونلهو سوی بدماءِ أباءنا وأمهاتنا، فهذا الطفل الصغير يتشممٌ رائحة ملحفة أمه التي قتلوها أمام عينيه المحدقتين يتأمل صور والده الذي استشهد ورحل في صمت ليتّبعَ بذلك خطواتهما بين الجدران والزوايا عله يراهما أو يلمس لهما أثر فيحضنهما إلی صدره البريء، ذاك شيخٌ أضناه التعب،يصارع المرض ثم يدفنوه حيا يرزق، صار ظلام الليل عذاب وبركان والكل يتلاشی بين لحظات الغضبِ ولوعة الضياع
ظلامٌ يغطي كل شيء من حولنا
وأيادي ملطخة بدماء الجرائم دون أن تُغفل أمامهم الأبواب لا يشعرون بذنبٍ أقترفوه،أو بشعبٍ شردّوه تحت أزيز الطائرات المخيفة وصوت النبالم والفوسفور المفزعة ،نعم رحل الأجدادُ فدُفِنتْ معهم شيّم الرجولة والبسالة التي نتوارث آثارها وأمجادها الخالدة،فإذا بنا نبحث عن بقايا الإنسانية التي نُفتشُ عنها هنا وهناك فتفترِسْنا أرواح غادرة، كل ما أردنا الإنتقام تحْبِسنا أشياء لا نفهمها ولا نقدم لها تفسير ،طغاةٌ ظالمة جعلتْ جمال البلاد قری تنزف دماً، وبيوت تبكي لرحيل أهلها ، وشوارع تنادي ،تشتكي ومن يسمعها ؟!!
سياراتٌ غريبة تتجول من مكان
إلی آخر دون حياء،في حين يحاول أبناءُ الوطن إبعادها بطريقتهم الخاصة..
عفاريتٌ يريدون إقناعنا بالخضوع لسلطتهم أن نلثم أياديهم التي تسفح دماء فلذات أكبادنا،وأن نؤمن بتزيّيفهم لِتاريخنا وخدعهم لعاداتنا وتقاليدنا، لكي نتقاسم معهم وطنيتنا وهم يظنون أنّه سائغ حدوثها في زمن عمّ الظلم والكذب، هم أيضاً جبناء أرادوا أن يرهبونا بجبروتهم لتمزيقِ وحدتنا لأجلِ مبتغاهم فوجدوا أمامهم شعب من حديد ،شعبٌ يحمل بقلبه قناعة راسخة بحتمية النصر والعودة للوطن، شعبٌ لا يعرف كيف يخلع ثوب الصمود والمقاومة والتحدي، لا يرضی بالذل حتی نيل حريته.
أمهات أنجبْن ثوار يعزفون لحناً حزيناً«كأماه لا تبكِ عليا» و تارة أخری تعود بهم الذكريات للتغني بكلمات بطولية، حماسية التي تعيد لهم إرادة فولاذية صلبة تتأهب لمعركة يكون عنوانها قوله تعالی :« جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»، كانت لحظات صعبة تشابكتْ معها الأمنيات وأحلامٌ احتلتْ لياليهم، وحُملَتُ ثقيل أحزانهم لترميها بعيداً، لم يعدْ أحد قادر علی إيقاف أقلامهم وحناجِرهم الغاضبة التي انتظرت ،انتظرت فسرعان ماتحولتْ اللحظة من كابوسٍ اندثرت مشاهده عبثاً مع ماضي مؤلم مخيف إلی حاضر مليء بالأمل تتخلله إنتصارات عظيمة أدت لمخافة الأعداء وتعاطف بعض الشعوب التي تساند الحق والتحرر من كل القيود،بينما رمونا آخرون بسهامٍ تنفي وجودنا وارتابوا في أصولنا، محوْ عروبتنا ومعتقدنا،جعلوا منا أجساداً بدون أرواح، لنسمع أحكام قضاة فاسدون تلبيةً لمصالحهم الشخصية ومواقفهم اللاأخلاقية.
تمر أربعة عقود بلا رجعة وخلّفت إحتلال ملعون وشعبٌ بين قساوة المنفی وسواد السجون،فقدت الحياة طعم تفاصيلها إلا بإعتناق شمس الإستقلال خاصةً لما يتعلق الامر بمسيرة شعب" يعاني،يصبر،يكابر،يتألم،يضحي،زاده الأمل واليقين وارتسمت معالمه وتضحيات، ينتظر مسقبل واعد يختزن الحرية والكرامة والشرف والسعادة هكذا تُبعث رائحة النصر البهيج من جديدةوننشد معاً قول الشاعر: وطني اُحِبُكَ لابديل
أتريدُ من قولي دليل. سيظلُ حُبك في دمي
لا لن أحيد ولن أميل. سيظلُ ذِكرُكَ في فمي
ووصيتي في كل جيل. حُبُ الوطن ليسَ إدعاء
حُبُ الوطن عملٌ ثقيل. ودليلُ حُبي يا بلادي
سيشهد به الزمنُ الطويل.
نعم وطنُ جريح،منسيٌ ، يوجد به مبتغى وحلم اللصوص والسلاطين ، بل العفاريت الموحشة التي جعلت من جمال الوطن مكان خاص لإنهيار الإنساني ، وشوارعٌ مليئة بأصناف الأشكال الغريبة و آثار تبعث رائحة الماضي بشذى الجروح النازفة التي لم تندمل بعد، ومدن تكتوي حسرة على اولئك الذين سقوها بدمائهم الزكية، وحموها من أجساد قذرة وبأس السفهاء ، نعم ثمة أرواح وأناس تغازل المنايا وتعانقها بصدور عارية ولا ترضى الذل والضعف والطغيان وغزو الجرذان وصريرها، كذلك قارعوا الأعداء بأساليبهم السلمية المعبرة في مكانها وزمانها المناسبين ، فصاروا ينادون بحريتهم المسلوبة التي ابتز المجرم نسيمها ظلما وجورا ، وجعل البلاد سجون وزنازين مظلمة ورهيبة، تهتف العناء والعذاب المر العاتم بالسلاسل والأغلال ، ومجازر في حق كل من اتخذ الطرق الحضارية حقائق للحق وازهاق للباطل، نعم محترفون في ابتكار كل السبل المؤدية للقتل والإعدام والضرب والتعذيب، كما حاول اللعين مرارا تمزيقهم فأصاب منهم الرعش والعمى، ليضجر من طمس حناجرهم الذهبية، ونضالاتهم
أبطالنا الشجعان، وبالرغم من قلة العدد والظروف الصعبة التي تقف أمامهم لكن نقشت على أفئدتهم التواقة الايمان والبسالة والغيرة على حرمة الوطن يقول الله تعالى : (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون).
بوطني _ الصحراء الغربية_ سرقوا البحار وضياء القمر، سرقوا الاودية والأنهار وعش الطير، سرقوا ابتسامة الطفل وأليل الحجر، فلم يسلم منهم شيء حتى أنهم أسكتوا غواء الجمال التي تأبى وجودهم، غرسوا الأشواك
والألغام بدل النباتات والزهور،وأمطروا السماء رصاصا وفوسفور ،بدل نزول المطر والغيوم... شوهوا البلاد بأقدامهم الدنسة، بينما العالم ينظر ويشاهد هذا الواقع الآليم بأبشع الصور الانسانية التي تتحطم لرؤيتها القلوب كما تعجز عن وصفها الأنامل والأقلام.
أيها العالم الغافل خلف أسوار الصمت والجهل والمصالح، أيتها الضمائر الميتة كأصنام اللات، كيف تدعي الإنسانية ؟! ... وقد انتهكت الحقوق، واغتصبت البلاد، وانتهبت الثروات، فأزيد من اربعة عقود والمخيمات تعاني قساوة وويلات اللجوء والحنين للقاء الوطن، وهنا وجه آخر من المعاناة حيث القهر، التشريدوالحرمان ألم تحن لحظة الحق بعد ؟!
نعم "الحق يعلو ولا يعلى عليه " هكذا صنعنا تاريخ حافل بالأمجاد والإنتصارات والنمو والمكانة، فأنجبنا أبناء رضعوا حليب الوفاء والإخلاص للدين و الأرض واثبتوا عزمهم وصبرهم بقوافل الشهداء، وتشهد على ذلك حملات البرتغال والإنجليز والهولنديين والتآمر المزدوج الفرنسي الإسباني، والتاريخ أفضل دليل، فالصحراءالغربية لأهلها فلترحل يا مغربَ.
بقلم: جتوهة مصطفى رمضان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق