قصة اجتماعية : مسجونة بين رايتين
بالنسبة لكل سكان العالم العلم هو رمز الوطن وهو الراية والشعار اللذان يُعبّران عن الوطنية والانتماء، وهو الخيمة التي يستظلّ بظلها اسم الوطن..... الا أنا !!رؤية العلم يُرفرف عالياً، يشعر الشخص في كافة ربوع العالم بأنّ وطنه بخير....... إلا أنا.!!
فأنا أعيش بين رايتين، راية ترفرف فوق رأسي كل يوم وأكرها، وراية تعيش بداخلي وحبها محفور في ثنايا الوجدان وهي بعيدة عني..
انا فتاة مسجونة بين رايتين، بين عالمين بين قضيتين بين خارطتين، انا اعيش بين وطن ارفض الانتماء اليه ووطن مازال يبحث عن الانتماء..........!
مازلت أتذكر حصة الرسم الحر، حين طلبت منا المعلمة رسم رسمة حرة، كنت في عمر التاسعة حين رسمت علم يحوي ثلاثة الاوان الاخضر والاسود والابيض تتوسط العلم نجمة وهلال بالون الأحمر ، لم اكن اعرف معنى الالوان وماذا يممثل هذا العلم، هي صورة محفورة في مخيلتي لعلم وضعه أبي في غرفته الخاصة قبل موته.
عند اكمالنا من الرسم، وسلمنا الاوراق للمعلمة، نظرت المعلمة الي نطرة غضب ،تغير لون عينها واصبح لونهم كالون ملحفتها الاحمراء، خرجت مسرعة وجاء المدير يلهث معه المراقب العام وقال
أين طالبة مريم؟
وقفت في خوف ف لأول مرة أرى المدير يقف امامي ،كان يلبس بدلة سوداء لم تفلح في إخفاء بطنه الكبيرة، قصير القامة ، ويقف خلفه المراقب "حميد" شاب طويل ولحية خفيفة وعلامات المكر بادية على وجهه. قلت لهم في خوف
انا هي مريم؟
لماذا رسمت هذا العلم اللعين!!!؟
لقد رأيته في غرفة أبي قبل موته، ومنظر العلم يذكرني بأبي. المتوفي
ماهي جنسيتك يامريم؟
انا صحراوية؟
اللعن عليك وعلى ابوك ، انت مغربية، ملك هو جلالة الملك محمد السادس، من اللعين الذي بث فيك هذه الفكرة الغبية؟
انا صحراوية بالفطرة ياسيدي ، مثل كوني مسلمة بالفطرة، لا احتاج من يخبرني اني صحراوية
اسسسس. اصمتِ ، هيا أخرجي من الفصل
دخلت معه الى المكتب وبدأ يضربني بعصى طويل أسود، لقد زين مكتبه بالاعلام الحمراء لم اكن اعرف مامعنى العلم او ماذا يمثل بالنسبة للانسان، كانت صورة ذاك الشخص ذا تكشيرة والوجه العبوس خلف كرسيه.. لم اكن احبه خاصةً عندما يظهر في التلفازة بتكشيرته المعتادة!
أخذني من مؤخرة رأسي وتقدم به نحو الصورة الكبيرة وقال هذا هو ملكك جلالة الملك محمد السادس، ثم لتفت واخذ العلم وقال هذا هو علمك المغربي،، وانت مغربية ،سمعتِ أنتِ مغربية وان سمعتك تقولين انك صحراوية سأرميك للكلاب في الشارع ،او سأسجنك سجن انفرادي مع الجرذان والصراصير والعقارب..!
كفتاة صغيرة لم تبلغ بعد سن التاسعة خفت كثيرا، و بدات أبكي، كنت لوحدي معه في المكتب، لقد حبسني اليوم كله في غرفة صغيرة لم أتناول وجبة الغداء ولم يسمح لي بدخول الحمام ، أعطاني فقط ورقة كبيرة بيضاء وأقلام ملونة وقال أرسمي هذا العلم يامريم وستخرجين.. أرسمي علمك يإبنتي علم دولتك المملكة المغربية وسأطلق سراحك!
مر اليوم وانا محجوزة في الغرفة الصغيرة وفي نهاية الحصة الاخيرة دخلت علي المعلمة التي كنت اظن انها صحراوية مثلي لانها ترتدي ملحفة مثل أمي وتتكلم نفس اللهجة التي نتكلم بها ،كنت انظر اليها نظرة الرحمة كنت انتظر منها ان تنتشلني من الخوف الذي بثه في قلبي المدير اللعين، كانت في نظري هي الوحيدة القادرة على انقاذي، نظرت الي نظرة احتقار وقالت :
أسمعي يامريم يحب ان تكتبي في دفترك جملة "عاش جلالة الملك محمد السادس " ألف مرة..! وان ترسمي العلم المغربي في دفترك وان تحملي معك محفظة مطبوع عليها العلم المغربي، وغدا صباحاً لا تأتي الا وانتِ حافظة للنشيد الوطني المغربي..!
دخلت الدار وجدت الامن يحيط بالمنزل ، كانت أمي تبكي بينهم وتقول :
نحن مغاربة، اقسم لك ياسيدي اني لم اعلمها شئ، ابوها هو من كان يذكر كل تلك الاخبار امامها
حسنا.... هذه اول واخر انذار لك ،قالها الضابط والمسؤول عن المنطقة، كان سمين للغاية و يحمل سجارة كبيرة في فمه وفي يده كان يحمل عصى طويل ربما كان يضرب أمي به عندما كنت في المدرسة!
ثم لتفت نحوي الضابط أخر وكان اسمه "المسعودي"، كان ضابط عريض ومفتول العضلات وانفه حاد و كان الشر ينطق من خلف عينيه، تلك العيون الحمراء التي تخفي و وراها كل انواع التعذيب والضرب والقتل، وقال :
جاءت المغربية الاصيلة، إبنتنا وإبنت جلالة الملك محمد السادس .. اليس كذالك يامريم الصغيرة ؟
نعم ياسيدي انا مغربية وسأكتب عاش الملك الف مرة في كراسي ،وسأحمل العلم واطبعه في حقيبتي الصغيرة، وسأرسم العلم في ورقة كبيرة كما امرتني معلمتي "السالمة" ،، انطلقت تلك الكلمات مني من غير ادراك مني كنت خائفة جدا أرتعد وارتعش من منظر العساكر والامن في بيتي، كيف لفتاة صغيرة ان تتحمل منظر امها تضرب وعساكر يحملون المسدسات واحزمة ونظراتهم التي توحي بالشر تراقبني ،كنت خائفة ومستعدة ان اقول انا مغربية من اجل ان يتركونا في حالنا!
في تلك لليلة كتبت عاش جلالة الملك محمد السادس الف مرة .......واصبحت كل يوم احمل العلم الاحمر الذي يشعرني بالغضب ،كنت اكره اللون الاحمر، لانه للون النار و الدم والقتل، كنت دائما احب ذاك العلم الذي كان يضعه ابي في غرفته، اشعر بحب باطني يشدني اليه، هل حب الوطن فطري كالاسلام؟ ام هو مجرد ذكرى جميلة تجتاحني حين اتذكر ابي؟ ام هو نور الذي زرعه الله داخلي؟ ام هو الحقيقية التي يحب ان ابحث عنها!!؟
اليوم اكمل السن العشرين وانا مازلت لم اعترف بمغريبيتي رغم كل الوثائق التي منحتها السلطات المغربية لي ك مواطنة مغربية لكن حب ذاك العلم في قلبي ولا يحتاج وثائق ليثبت لي اني أنتمي اليه .
في المرحلة الجامعية كان يُلفت انتباهي منظر العلم بين الشباب في المظاهرات الجامعية ،منطر تلك القطعة من القماش تُحرك في وجداني كل مشاعر الحب والحنين لهذا العلم الذي سحرني منذ صغري ، لم أتجرأ يوما على الدخول معهم في المظاهرات، كنت خائفة على نفسي من الدخول في السجن "لكحل" ، السجن الذي إختفى فيه أخي "عمار" منذ حوالي عشرينة سنة ولم نسمع عنه أي خبر، لقد شارك في مظاهرات في حي " الكولومة"،، واخذته سلطات المخزن واختفت اخباره الى يومنا هذا.. ...!
كنت دائما أسئل امي و قول
ماهي هويتنا يأمي؟
نحن يإبنتي بلاهوية، المغاربة لا يعترفون بنا كمغاربة مثلهم لانهم يعرفون حق المعرفة اننا لسنا منهم، و الصحراويين ينكروننا ولايعترفونا بنا رغم علمهم بأننا منهم، نحن يإبنتي جئنا الى دنيا لنصبح على هامش الطريق، لقد خلقنا الله يإبنتي بين رايتين، راية نحبها وترفرف في قلوبنا وهي بعيدة منا، وراية نكرها ونعيش تحت ظلها رغما عنا! نحن يإبنتي نعيش بلا انتماء نعيش في المغرب المحتل الذي نبغضه لانه احتل ارضنا وشرد اهلنا وقتل رجالنا وسجن اولادنا وشبابنا، وبين حلم الاستقلال ورجوع اهلنا من مخيمات العزة والكرامة، نحن يإبنتي لا نملك سند يحمينا ،ابوك استشهد وخوكي بين قضبان السجون ولم يبق سوى انا وانتِ وعلينا ان نصبر ونخفي هويتنا الصحراوية لنعيش في سلام، فأنا اخاف ان تختفي انت ايضا او يقتلوك! حينها لن يبق للحياة معنى وسأموت بعدكِ!
هل نحن مغاربة ام صحراوين أجبيني يأمي؟
نحن لسنا مغاربة فاللهجتنا تختلف وعاداتنا وتقاليدنا، كل شئ يختلف بيننا حتى في الانساب والالقاب والاسماء.!
اذن نحن صحراويين؟
نحن نكون مثل المغاربة مع المغاربة وك صحراويين مع من وجدنا من الصحراويين
هذا نفاق يأمي ؟
هذا أسمه الحفاظ على النفس ياإبنتي؟ ابتعدي عن السياسة يإبنتي وعيش هنا كمغربية انت الوحيدة التي املك في هذه الدنيا ولا اريد ان افقدك كما فقدت ابوك واخوكِ!
لم أستمع لكلام امي، كان حب ذاك العلم يزداد في قلبي، كل يوم احلم ان ابي يحمل ذاك العلم ويجري به في الشارع وهو يبتسم ابتسامة مفعمة بروح الامل ورضى ،كان ذالك الحلم كافي ليثبت لي اني أنتمي لتلك القطعة التي يحملها ابي، أنتمي الى ذالك العلم السحري العجيب، ذاك العلم الذي زرع الله حبه في قلبي!
في صباح أحدى الايام الشتوية نظمت احدى العائلات الصحراوية وقفة تضامنية مع معتقلين كانو في السجن، لا اعلم مالذي حصل سوى ان ذاك العلم سحرني وبدأت اتخيل أني احمله واجري واصرخ به في الشارع ،ولم استفق الا وانا معهم في المظاهرات اصرخ مثلهم واردد الشعارات مثلهم ، وحملت ذاك العلم لاول مرة في حياتي، كان شعور رائع وغريب، شعور كأنك ظفرت بكنز عظيم كنت تنتظره منذ زمن بعيد..!
كان شعور غريب حين لمسته ووضعته على وجهي، كنت اشم فيه رائحة أبي، كلما نظرت الى ألوانه رأيت وجه ابي فيه يبتسم، كنت اشم واقبل واحلم اني اطير فوق السحاب به، كنت في قمة السعادة وانا احمل ذاك العلم الجميل بين أيدي.
في اللحظات التي كنت فيها شاردة واعيش في عالم من الاحلام اذ بعصى قوية تضربني على البطن، كان خلفي اربع رجال احدهم يسبني والاخر يضربني واثنان يحملاني من شعري الى سيارة الشرطة، كنت اصرخ ولم يكن هناك غيري في الشارع، لقد هرب الجميع حين كنت غارقة في حلمي الجميل..
دخلت في مخفر الشرطة وبدات الاسئلة من مدير الامن في العيون المحتلة
هل البوليزاريو تدعمك؟
ماعلاقتك بزعيمهم المزعوم ؟
من كان الممول المظاهرات؟ هل الجبهة تدعمكم؟ من المسؤول عن دعمكم بالمال؟
من اين تحصلون على الاعلام !؟ من الشخص المكلف بالتصوير؟
كان الجواب الوحيد عندي انا لا اعرف عما تتحدث ياسيدي ، انا دخلت المظاهرات لاني احب ذلك العلم لانه يذكرني بوالدي ..
ضربني على رأسي لم أستفق الا وانا في السجن الانفرادي، كان عبارة عن حفرة ضيق تحت الارض مظلمة للغاية، تعيش هناك الصراصير والديدان العقارب لا تستطيع النوم بسبب صوت أنين المساجين وبكائهم من شدت التعذيب ، استفيق كل لليلة على صوت الصراخ والبكي من مساجين ذاقو مرارت التعذيب والالم ، كان شعور مخيف وانت تسمع الرجال يبكون !
كل ثماني ساعات يرمي إلي أحد حراس السجن بعض الارز في الحفرة فتسبقني الديدان والصراصير والجرذان وتأكله قبلي.
في منتصف كل لليلة كان الجلاد المدعو "الدابة" يخرجني من الحفرة و يغمض عيوني، ثم يجردني من ملابسي ويبدأ في التفنن في تعذيبي النفسي والجسدي ولم اسلم من تعرض لإنتهاك اعز ماملك..!
لقد عشت في سجن الكحل اقسى وامر للحظات حياتي، عامين من الالم والضرب والجوع والظلم والتعذيب والاغتصاب اليومي، حتى كرهت السياسة وكرهت المظاهرات وكرهت نفسي وكرهت الحياة ،لكني لم اكره ذاك العلم السحري الذي يذكرني بروح والدي والذي مات في سبيله وسجن اخي في سبيله و تعذبت انا في سبيله، لن أغير حبي وأنتمئي لهذا العلم مهما فعلوا.!
وحين حان موعد خروجي اعطوني أربع صور للملك محمد السادس أضعهم في غرفتي مع علم كبير مغربي يجب ان يتوسط الغرفة ..
هكذا أردو مني ان اثبت مغريبيتي المزعومة، لقد تغافلوا ان هناك حب فطري يسري في عروقي لذاك العلم لن يغيب من مخيلتي مهما فعلوا .....
رجعت الى غرفتي ووضعت العلم الصحراوي في الجدار انظر اليه كل يوم وانام، ربما سَيعيش من بعدي جيل من اولادي او ربما احفادي أو أحفاد أحفادي ويخرجون العلم الوطني من غرفتي ويرفعونه عاليا في وسط مدينة العيون وفي كل مدن الصحراء الغربية.. ....!
وفي الاخير
أعلم ان كلمة الحرب مخيفة ومرعبة و مفزعة، لكن لن يرتفع العلم في العيون الا بها، لن أحتضن العلم وامشي به شامخة في الشوارع الا بها....
أتمنى ان استفيق يوما ما على خبر إستقلال بلدي وان احمل علمي في بلدي الحر وسأرفعه فوق منزلي ليكون شاهد على تاريخ عائلة عانت الويلات من اجله ....او اموت ويكون العلم كفني!
--------النهاية--------
تحياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق