مقال: الطفل بذرة الأمم و الشعوب
أطول شجرة اليوم أو الأكثر إثمارا ـ لا أعرف أين ـ لكن أعرف كما يعرف الجميع أنها كانت بذرة في يوم من الأيام و وجدت الظروف المناسبة لتصبح اليوم على ما هي عليه، و لكل شيء بذرة و ما إن يجد الظروف الملائمة إلا و أصبح ذلك الشيء في أحسن صوره و العكس صحيح و يمكن أن تكون تلك الظروف طبيعية أو بتدخل الإنسان.ربما يتبادر لذهن كل واحد منكم أمر ما و يفكر الآن في بذرته، لكنني أدعوكم أن تفكروا معي في البذرة التي نحن اليوم بصدد دراستها و تتبع مسارها معا، إننا بصدد الحديث عن بذرة الأمم و الشعوب و الحضارات نحن بصدد الحديث عن الطفل.
بداية سنبدأ بافتراض فأطلقوا العنان لخيالكم و افترضوا معي أننا بصدد إنشاء شعب جديد و من أجل ذلك أخذنا عينة كبيرة من الأطفال و عزلناهم في مكان محدد و بدأنا تحضيرهم ليكونوا قاعدة لشعب جديد و عند وصولهم لسن الرشد قررنا تسليمهم زمام أمور دولتهم الخاصة و في غياب أي عنصر خارج عن مجموعتهم التي تم اختيارها، الآن سنقوم بدراسة الإحتمالات الممكنة و مما لا شك فيه أنها ستكون بناءا على الظروف التي مرت بها العينة.
فعدد الظواهر الإيجابية أو السلبية بهذا المجتمع الجديد سيكون بناءا على التكوين الشخصي و العلمي و النفسي للأطفال أثناء تحضيرهم فمثلا عدد المنحلين أخلاقيا سيكون هو عدد الأطفال الذين امتلكوا شخصيات منحرفة من خلال تجارب معينة بورشة التحضير و هذا العدد سيتزايد من البذرة الأولى التي شكلت لبنة البداية لتلك الظاهرة، و هذا الأنموذج للمثال لا الحصر و ينطبق على باقي الظواهر الإيجابية و السلبية.
لنعد إلى الواقع الآن، إن التجربة التي افترضناها آنفا تلخص أهمية الإعتناء بالطفل من أجل تقويم إعوجاج الشعوب و الأمم فالحقيقة الحتمية أن من يمتلكون زمام الأمور اليوم هم أطفال الأمس و يعكسون تربيتهم و تكوينهم و نفسيتهم على الواقع و هو ما سيفعله أطفال اليوم غدا، لذلك فالسبيل الأمثل لتوجيه مسار الشعب نحو المسار الصحيح هو العناية السليمة بالأطفال على جميع المستويات.
هذا الأمر ـ الإعتناء بالأطفال ـ يتطلب تدخل الجميع من سلطات، المجتمع مدني ، الأسرة ، أفراد، كما يتطلب خطط عملاقة على كل المستويات القريب و المتوسط و البعيد و يجب أن يشمل التدخل كل مناحي حياة الطفل من تعليم و صحة و سلوك و تكوين و بناء شخصية سليمة ...
إن البذور دائما ما تكون حساسة و تتطلب العناية الفائقة لكي تنمو و تثمر لكنها في المقابل عندما تكبر بالشكل الصحيح تصبح مصدرا متجددا للعطاء فيستفيد منها الجميع، إن هذا ما يتطلبه الطفل بالذات، فقط القليل من العناية و سيبهرنا برد الجميل لا محالة.
مشاركة باسم
حمادى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق